فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

ثم أكد دلائل قدرته بالتعرّض لذكر خلق السموات والأرض ، وكيف كان الحال قبل خلقها فقال : { وَهُوَ الذي خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } قد تقدّم بيان هذا في الأعراف ، قيل : والمراد بالأيام : الأوقات : أي في ستة أوقات ، كما في قوله : { وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } وقيل : مقدار ستة أيام ، ولا يستقيم أن يكون المراد بالأيام هنا الأيام هنا الأيام المعروفة ، وهي المقابلة لليالي ، لأنه لم يكن حينئذ لا أرض ولا سماء ، وليس اليوم إلا عبارة عن مدّة كون الشمس فوق الأرض ، وكان خلق السموات في يومين ، والأرضين في يومين ، وما عليهما من أنواع الحيوان والنبات والجماد ، في يومين ، كما سيأتي في حم السجدة . قوله : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء } أي : كان قبل خلقهما عرشه على الماء ، وفيه بيان تقدّم خلق العرش والماء على السموات والأرضين .

قوله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } اللام متعلقة بخلق : أي خلق هذه المخلوقات ليبتلي عباده بالاعتبار والتفكر والاستدلال ، على كمال قدرته ، وعلى البعث والجزاء أيهم أحسن عملاً من غيره ، ويدخل في العمل الاعتقاد ، لأنه من أعمال القلب . وقيل : المراد بالأحسن عملاً : الأتمّ عقلاً ، وقيل : الأزهد في الدنيا . وقيل : الأكثر شكراً ، وقيل : الأتقى لله . قوله : { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْر مُبِين } ثم لما كان الابتلاء يتضمن حديث البعث أتبع ذلك بذكره ، والمعنى : لئن قلت لهم يا محمد على ما توجبه قضية الابتلاء ، إنكم مبعوثون من بعد الموت ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ليقولن الذين كفروا من الناس إن هذا الذي تقوله يا محمد إلا باطل كبطلان السحر ، وخدع كخدعه . ويجوز أن تكون الإشارة بهذا إلى القرآن ؛ لأنه المشتمل على الإخبار بالبعث . وقرأ حمزة والكسائي «إِنْ هذا إِلاَّ ساحر » يعنون النبي صلى الله عليه وسلم ، وكسرت إنّ من قوله : { إِنَّكُمْ } لأنها بعد القول . وحكى سيبويه الفتح على تضمين قلت معنى : ذكرت ، أو على أن بمعنى علّ : أي ولئن قلت لعلكم مبعوثون ، على أن الرجاء باعتبار حال المخاطبين : أي توقعوا ذلك ، ولا تبتوا القول بإنكاره .

/خ8