قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار } السفن الكبار ، { المنشآت } وقرأ حمزة وأبو بكر : المنشئات بكسر الشين ، أي : المنشئات للسير يعني اللاتي ابتدأن وأنشأن السير . وقرأ الآخرون بفتح الشين ، أي المرفوعات ، وهي التي رفع خشبها بعضها على بعض . وقيل : هي ما رفع قلعه من السفن وأما ما لم يرفع قلعه فليس من المنشئات . وقيل : المخلوقات المسخرات ، { في البحر كالأعلام } كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل ، شبه السفن في البحر ، بالجبال في البر .
ثم بين - سبحانه - نعمة أخرى من نعمه التى مقرها البحار فقال : { وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر كالأعلام فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .
والجوار : أى السفن الجارية ، فهى صفة لموصوف محذوف دل عليه متعلقه ، وهو قوله - تعالى - { فِي البحر } .
والمنشآت : جمع منشأة - اسم مفعول - أى : مرفوعة الشراع ، وهو ما يسمى بالقلع ، من أنشأ فلان الشىء ، إذا رفعه عن الأرض ، وأنشأ فى سيره إذا اسرع .
أى : وله - سبحانه - وحده لا لغيره ، التصرف المطلق فى السفن المرفوعة القلاع والتى تجرى فى البحر ، وهى تشبه : الجبال فى ضخامتها وعظمتها .
والتعبير : بقوله - تعالى - { وَلَهُ } للاشعرا بأن كونهم هم الذين صنعوها لا يخرجها عن ملكه - تعالى - وتصرفه ، إذ هو الخالق الحقيقى لهم ولها ، وهو الذى سخر تلك السفن لتشق ماء البحر بأمره .
ومن الآيات الكثيرة التى تشبه هذه الآية فى دلالتها على قدرة الله - تعالى - وعلى مننه على عباده بهذه السفن التى تجرى فى البحر بأمره . قوله - تعالى - : { وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ }
وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله - تعالى - ، ونعمه على عباده . . جاء الحديث عن تفرده - تعالى - بالبقاء ، بعد فناء جميع المخلوقات التى على ظهر الأرض ، وعن افتقار الناس إليه وحده - سبحانه - وغناه عنهم فقال - تعالى - : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . . . } .
ثم ينتقل إلى الفلك التي تجري في البحار ، كأنها لضخامتها الجبال :
( وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام . . )
ويجعل هذه الجواري المنشآت( له )سبحانه وتعالى . فهي تجري بقدرته . ولا يحفظها في خضم البحر وثبج الموج إلا حفظه ولا يقرها على سطحه المتماوج إلا كلاءته . فهي له سبحانه . وقد كانت - وما تزال - من أضخم النعم التي من الله بها على العباد ، فيسرت لهم من أسباب الحياة والانتقال والرفاهية والكسب ما هو جدير بأن يذكر ولا ينكر .
وقوله : { وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ } يعني : السفن التي تجري في البحر ، قال مجاهد : ما رفع قلعه من السفن فهي منشأة ، وما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة ، وقال قتادة : { المنشآت } يعني المخلوقات . وقال غيره : المنشآت - بكسر الشين - يعني : البادئات .
{ كالأعلام } أي : كالجبال في كبرها ، وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر ، وإقليم إلى إقليم ، مما فيه من صلاح للناس في {[27866]} جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع ؛ ولهذا قال [ تعالى ] {[27867]} { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا العرار بن سويد ، عن عميرة بن سعد قال : كنت مع علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، على شاطئ الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها ، فبسط على يديه ثم قال : يقول الله عز وجل : { وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ } . والذي أنشأها تجري في [ بحر من ] {[27868]} بحوره ما قتلتُ عثمان ، ولا مالأت على قتله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.