قوله تعالى : { قل } يا محمد لكفار مكة ، { ادعوا الذين زعمتم } أنهم آلهة ، { من دون الله } وفي الآية حذف ، أي : ادعوهم ليكشفوا الضر الذي نزل بكم في سني الجوع ، ثم وصفها فقال : { لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض } من خير وشر ونفع وضر { وما لهم } أي : للآلهة ، { فيهما } في السموات والأرض ، { من شرك } من شركة ، { وما له } أي : وما لله ، { منهم من ظهير } عون .
ثم نجد السورة الكريمة بعد ذلك ، تلقن النبى صلى الله عليه وسلم الحجج التى تؤيد ما هو عليه من حق وصدق ، وتزهق ما عليه أعداؤه من باطل وكذب . . فتقول : { قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ . . . . العزيز الحكيم } .
والأمر بالدعاء فى قوله - سبحانه - : { قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ الله } للتوبيخ والتعجيز . ومفعولا { زَعَمْتُمْ } مخذوفان .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المزعومة بعد ذلك فى قوله - تعالى - : { لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض . . } .
أى : هؤلاء الشركاء لا يملكون شيئا ما قل أو كثر لا فى السماوات ولا فى الأرض ، بل الذى بملك كل شئ ، هو الله - تعالى - وحده .
فالجملة الكريمة مستأنفة لبيان حال هذه الآية ، وللكشف عن حقيقتها .
والتعبير بعدم ملكيتهم لمثقال ذرة ، المقصود به أنهم لا يملكون شيئا على الإِطلاق ، لأن مثقال الذرة أقل ما تصور فى الحقارة والقلة .
وذكر - سبحانه - السماوات والأرض لقصد التعميم ، إذ هما محل الموجودات الخارجية .
أى : لا يملكون شيئا ما فى هذا الكون العلوى والسفلى .
وبعد أن نفى عن الشركاء الملكية الخالصة لأى شئ فى هذا الكون ، أتبع ذلك بنفى ملكيتهم لشئ ولو على سبيل المشاركة ، فقال - تعالى - : { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } .
أى : أن هؤلاء الذين زعمتموهم شركاء لله - تعالى - فى العبادة ، لايمكون شيئا ما فى هذا الكون ملكية خاصة ، ولا يملكون شيئا ما - أيضا - على سبيل المشاركة لغيرهم . وليس لله - تعالى - أحد يعينه أو يظاهره فيما يريد من إيجاد أو إعدام ، بل الأمر كله إليه وحده .
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد نفت عن تلك الآلهة المزعومة ، ملكية أى شئ فى هذا الكون ، سواء أكانت ملكية خالصة ، أم ملكية على سبيل المشاركة ، وأثبتت أن المالك والمتصرف فى هذا الكون إنما هو الله - تعالى - وحده ، دون أن يكون فى حاجة إلى عون من تلك الآلهة أو من غيرها .
( قل : ادعوا الذين زعمتم من دون الله . لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، وما لهم فيهما من شرك ، وما له منهم من ظهير ) . .
إنه التحدي في مجال السماوات والأرض على الإطلاق :
( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ) . .
ادعوهم . فليأتوا . وليظهروا . وليقولوا أو لتقولوا أنتم ماذا يملكون من شيء في السماوات أو في الأرض جل أو هان ?
( لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ) . .
ولا سبيل لأن يدعوا ملكية شيء في السماوات أو في الأرض . فالمالك لشيء يتصرف فيه وفق مشيئته . فماذا يملك أولئك المزعومون من دون الله ? وفي أي شيء يتصرفون تصرف المالك في هذا الكون العريض ?
لا يملكون في السماوات والأرض مثقال ذرة ملكية خالصة ، ولا على سبيل المشاركة :
والله - سبحانه - لا يستعين بهم في شيء . فما هو في حاجة إلى معين :
ويظهر أن الآية هنا تشير إلى نوع خاص من الشركاء المزعومين . وهم الملائكة الذين كانت العرب تدعوهم بنات الله ؛ وتزعم لهم شفاعة عند الله . ولعلهم ممن قالوا عنهم : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) . .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلِ ادْعُواْ الّذِينَ زَعَمْتُمْ مّن دُونِ اللّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرّةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ } .
يقول تعالى ذكره : فهذا فعلُنا بولينا ومن أطاعنا ، داود وسليمان الذي فعلنا بهما من إنعامنا عليهما النعم التي لا كفاءَ لها إذ شكرانا ، وذاك فعلنا بسَبَإ الذين فعلنا بهم ، إذ بَطِروا نعمتنا ، وكذّبوا رسلنا ، وكفروا أيادَينا ، فقل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم من قومك ، الجاحدين نعمنا عندهم : ادعوا أيها القوم الذين زعمتم أنهم لله شريك من دونه ، فسلوهم أن يفعلوا بكم بعض أفعالنا ، بالذين وصفنا أمرهم من إنعام أو إياس ، فإن لم يقدروا على ذلك فاعلموا أنكم مبطلون ، لأن الشركة في الربوبية لا تصلح ولا تجوز ، ثم وصف الذين يدعون من دون الله ، فقال : إنهم لا يملكون مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض من خير ولا شرّ ولا ضرّ ولا نفع ، فكيف يكون إلها من كان كذلك . وقوله : وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ يقول تعالى ذكره : ولا هم إذ لم يكونوا يملكون مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض ، منفردين بملكه من دون الله ، يملكونه على وجه الشّرِكة ، لأن الأملاك في المملوكات ، لا تكون لمالكها إلا على أحد وجهين : إما مقسوما ، وإما مُشَاعا يقول : وآلهتهم التي يدعون من دون الله ، لا يملكون وزن ذَرّة في السموات ولا في الأرض ، لا مُشاعا ولا مقسوما ، فكيف يكون من كان هكذا شريكا لمن له ملك جميع ذلك . وقوله : وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ يقول : وما لله من الاَلهة التي يدعون من دونه مُعِين على خلق شيء من ذلك ، ولا على حفظه ، إذ لم يكن لها ملك شيء منه مُشاعا ولا مقسوما ، فيقال : هو لك شريك من أجل أنه أعان وإن لم يكن له ملك شيء منه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلِ ادْعُوا الّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ لاَ يمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرّةٍ فِي السّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ يقول : ما لله من شريك في السماء ولا في الأرض وما لَهُ مِنْهمْ من الذين يدعون من دون الله مِن ظهيرٍ من عون بشيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.