السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا لَهُمۡ فِيهِمَا مِن شِرۡكٖ وَمَا لَهُۥ مِنۡهُم مِّن ظَهِيرٖ} (22)

ولما بين تعالى حال الشاكرين وحال الكافرين وذكرهم بمن مضى ، عاد إلى خطابهم فقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : { قل } أي : يا أعلم الخلق بإقامة الأدلة لهؤلاء الذين أشركوا من لا يشك في حقارته من له أدنى مسكة { ادعوا الذين زعمتم } أي : أنهم آلهة كما تدعون الله تعالى لاسيما في وقت الشدائد ، وحذف مفعولي زعم وهما ضميرهم وآلهة تنبيهاً على استهجان ذلك واستبشاعه وليس المذكور في الآية مفعول زعم ولا قائماً مقام المفعول لفساد المعنى ، وبين حقارتهم بقوله تعالى : { من دون الله } أي : الذي حاز جميع ، العظمة والمعنى : ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صحت دعواكم ، ثم أجاب عنهم إشعاراً بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال : { لا يملكون مثقال ذرة } من خير أو شر { في السماوات ولا في الأرض } أي : في أمر ما ، وذكرهما للعموم العرفي ، أو لأن آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب ، وبعضها أرضية كالأصنام ، أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية ، والجملة استئناف لبيان حالهم .

ولما كان هذا ظاهراً في نفي الملك الخاص عن ثبوت المشاركة نفى المشاركة أيضاً بقوله تعالى مؤكداً تكذيباً لهم فيما يدعونه { وما لهم } أي : الآلهة { فيهما } أي : في السماوات والأرض ولا في غيرهما ، ولا في فيما فيهما ، وأغرق في النفي بقوله تعالى : { من شرك } أي : شركة لا خلقاً ولا ملكاً { وماله } أي : الله { منهم } وأكد النفي بإثبات الجار فقال { من ظهير } أي : معين على شيء مما يريده من تدبير أمرهما وغيرهما فكيف يصح مع هذا العجز أن يدعوا كما يدعى ، ويرجوا كما يرجى ويعبدوا كما يعبد .