البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا لَهُمۡ فِيهِمَا مِن شِرۡكٖ وَمَا لَهُۥ مِنۡهُم مِّن ظَهِيرٖ} (22)

لما بين حال الشاكرين وحال الكافرين ، وذكر قريشاً ومن لم يؤمن بمن مضى ، عاد إلى خطابهم فقال : { قل } ، يا محمد للمشركين الذين ضرب لهم المثل بقصة سبأ المعروفة عندهم بالنقل في أخبارهم وأشعارهم ، { ادعوا الذين زعمتم } ، وهم معبوداتهم من الملائكة والأصنام ، وهو أمر بدعاء هو تعجيز وإقامة للحجة .

وروي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشاً ، أي ادعوهم ليكشفوا عنكم ما حل بكم ، والجئوا إليهم فيما يعنّ لكم .

وزعم : من الأفعال التي تتعدى إلى اثنين إذا كانت اعتقادية ، والمفعول الأول هو الضمير المحذوف العائد على الذين ، والثاني محذوف أيضاً لدلالة المعنى ، ونابت صفته منابه ، التقدير : الذي زعمتموهم آلهة من دونه ؛ وحسن حذف الثاني قيام صفته مقامه ، ولولا ذلك ما حسن ، إذ في حذف إحدى مفعولي ظن وأخواتها اختصاراً خلاف ، منع ذلك ابن ملكوت ، وأجازه الجمهور ، وهو مع ذلك قليل ، ولا يجوز أن يكون الثاني من دونه ، لأنه لا يستقل كلاماً .

لو قلت : هم من دونه ، لم يصح ، ولا الجملة من قوله : { لا يملكون مثقال ذرة } ، لأنه لو كانت هذه النسبة مزعومة لهم لكانوا معترفين بالحق قائلين له .

ولو كان ذلك توحيداً منهم ، وأن آلهتهم ومعبوداتهم لا يملكون شيئاً باعترافهم .

ثم أخبر عن آلهتهم أنهم لا يملكون مثقال ذرة ، وهو أحقر الأشياء ، وإذا انتفى ملك الأحقر عنهم ، فملك الأعظم أولى .

ثم ذكر مقر ذلك المثقال ، وهو السموات والأرض .

ثم أخبر أنهم ما لهم في السموات ولا في الأرض من شركة ، فنفى نوعي الملك من الاستبداد والشركة .

ثم نفى الإعانة منهم له تعالى في شيء مما أنشأ بقوله : { وما له منهم من ظهير } ، فبين عجز معبوداتهم من جميع الجهات .