معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ} (27)

{ ويقول الذين كفروا } ، من أهل مكة ، { لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب } أي : يهدي إليه من يشاء بالإنابة . وقيل : يرشد إلى دينه من يرجع إليه بقلبه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ} (27)

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك بعض المطالب المعنتة التي طلبها الكافرون من النبى - صلى الله عليه وسلم - ورد عليها بما يبطلها ، ومدح المؤمنين لاطمئنان قلوبهم إلى سلامة دينهم من كل نقص ، وأيأسهم من إيمان أعدائهم لاستيلاء العناد والجحود على قلوبهم ، فقال - تعالى - :

{ وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ . . . } .

قوله - سبحانه - { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } حكاية لما طلبه مشركو مكة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التعنت والطغيان . ومرادهم بالآية : آية كونية كإحياء الموتى وإزاحة الجبال من أماكنها " لولا " هنا : حرف تحضيض بمعنى هلا .

أى : ويقول الكافرون على سبيل العناد والجحود ، هلا أنزل على هذا الرسول آية كونية تدل على صدقه ، كأن يحيى لنا موتانا ، أو أن يحول لنا جبل الصفا ذهبا . .

وكأنهم يرون أن القرآن الذي نزل عليه - صلى الله عليه وسلم - لا يكفى - في زعمهم - أن يكون آية ومعجزة شاهدة على صدقه .

وقد أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بقوله : { قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ويهدي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } .

أى : قل لهم أيها الرسول الكريم على سبيل التعجب من أحوالهم ومن شدة ضلالهم : إن الله - تعالى - يضل عن طريق الحق من يريد إضلاله ، لاستحباب هذا الضال العمى على الهدى ، ويهدى إلى صراطه المستقيم ، من أناب إليه - سبحانه - ورجع إلى الحق الذي جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقلب سليم ، وعقل متفتح لمعرفة الصواب والرشاد .

فالجملة الكريمة تعجيب من أقوالهم الباطلة ، ومن غفلتهم عن الآيات الباهرة التي أعطاها الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسها القرآن الكريم الذي هو آية الآيات ، وحض لهم على الإِقلاع عما هم عليه من العنو والعناد .

والإِنابة : الرجوع إلى الشئ بعد تردد ، فقد جرت عادة كثيرة من النفوس البشرية أن يعرض عليها الحق فتتردد في قبوله في أول الأمر ، ثم تعود إلى قبوله واعتناقه بعد قيام الدلائل على صحته وسلامته من الفساد .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف طابق قولهم { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } قوله { قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ . . . } ؟

قلت : هو كلام يجرى مجرى التعجب من قولهم ، وذلك أن الآيات الباهرة والمتكاثرة التي أوتيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤتها نبى قبله ، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية . فإذا جحدوها ولم يهتدوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط ، كان موضعاً للتعجب والاستنكار ، فكأنه قيل لهم : ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم ، إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم من التصميم وشدة الشكيمة في الكفر ، فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية { ويهدي إِلَيْهِ مَنْ } كان على خلاف صفتكم { أَنَابَ } أقبل إلى الحق وحقيقته دخل في نوبة الخير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ} (27)

19

ولقد سبقت الإشارة إلى الفارق الضخم بين من يعلم أن ما أنزل إلى الرسول من ربه هو الحق ، ومن هو أعمى . فالآن يحكي السياق شيئا عن العمي الذين لا يرون آيات الله في الكون ، والذين لا يكفيهم هذا القرآن ، فإذا هم يطلبون آية . وقد حكى السياق شيئا كهذا في شطر السورة الأول ، وعقب عليه بأن الرسول ليس إلا منذرا والآيات عند الله . وهو الآن يحكيه ويعقب عليه ببيان أسباب الهدى وأسباب الضلال . ويضع إلى جواره صورة القلوب المطمئنة بذكر الله ، لا تقلق ولا تطلب خوارق لتؤمن وهذا القرآن بين أيديها . هذا القرآن العميق التأثير ، حتى لتكاد تسير به الجبال وتقطع به الأرض ، ويكلم به الموتى لما فيه من سلطان وقوة ودفعة وحيوية . وينهي الحديث عن هؤلاء الذين يتطلبون القوارع والخوارق بتيئيس المؤمنين منهم ، وبتوجيههم إلى المثلات من قبلهم ، وإلى ما يحل بالمكذبين من حولهم بين الحين والحين :

( ويقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه ! قل : إن الله يضل من يشاء ، ويهدي إليه من أناب : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله . ألا بذكر الله تطمئن القلوب . الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب )

( كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ، وهم يكفرون بالرحمن . قل : هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت ، وإليه متاب )

( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى . بل لله الأمر جميعا . أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا . ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله . إن الله لا يخلف الميعاد . ولقد استهزى ء برسل من قبلك ، فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم . فكيف كان عقاب ? . . )

إن الرد على طلبهم آية خارقة ، أن الآيات ليست هي التي تقود الناس إلى الإيمان ، فللإيمان دواعيه الأصيلة في النفوس ، وأسبابه المؤدية إليه من فعل هذه النفوس :

( قل : إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ) . .

فالله يهدي من ينيبون إليه . فالإنابة إلى الله هي التي جعلتهم أهلا لهداه . والمفهوم إذن أن الذين لا ينيبون هم الذين يستأهلون الضلال ، فيضلهم الله . فهو استعداد القلب للهدى وسعيه إليه وطلبه ، أما القلوب التي لا تتحرك إليه فهو عنها بعيد . .