اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ} (27)

قوله : { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } ألآية اعلم أن كفار مكة قالوا : يا محمد فأجابهم الله بقوله { إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ويهدي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } .

وبيان كيفية هذا الجواب من وجوه :

أحدها : كأنه يقول : إن الله أنزل عليه آيات ظاهرة ومعجزات قاهرة ، لكن [ الإضلال ] والهداية من الله فأضلهم عن تلك الآيات وهدى إليها آخرين ، فلا فائدة في تكثير الآيات والمعجزات .

وثانيها : أنه كلام يجري مجرى التعجب من قولهم ، وذلك لأن الآيات الباهرة المتكاثرة التي ظهرت على رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام كانت أكثر من أن تصير مشتبه على العاقل فلما طلبوا بعدها آيات أخر كان في موضع التعجب والاستنكار ، فكأنه قيل لهم : ما أعظم عنادكم { إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ } من كان على صنيعكم من التصميم على الكفر فلا سبيل إلى هدايتكم وإن نزلت كل آية : " ويَهْدِي " من كان على خلاف صنيعكم .

وثالثها : لما طلبوا سائر الآيات والمعجزات فكأنه قال لهم : لا فائدة في ظهور الآيات والمعجزات ، فإن الإضلال والهداية من الله تعالى فلو حصلت الآيات الكثيرة ولم تحصل الهداية من الله فإنه لم يحصل الانتفاع بها .

ورابعها : قال الجبائي : المعنى : أنه يضل من يشاء عن رحمته وثوابه عقوبة له على كفره فلستم ممن يجيبه الله تعالى إلى ما يسأل لاستحقاقكم الإضلال عن الثواب { ويهدي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } ، أي : يهدي إلى جنته من [ تاب ] وآمن . قال : وهذا يبين أن الهدى هو الثواب من حيث إنه عقبه بقوله : " من أناب " ، أي : من تاب .

والهدى الذي يفعله بالمؤمن هو الثواب ؛ لأنه يستحقه على إيمانه وذلك يدل على أنه تعالى إنما يضل عن الثواب بالعقاب لا عن الدين بالكفر على ما ذهب إليه من خالفنا هذا تمام كلام الجبائي .

والضمير في " إليه " عائد على الله ، أي : إلى دينه وشرعه . وقيل على الرسول صلوات الله وسلامه عليه . وقيل : على القرآن .