نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ} (27)

ولما كان العقل أعظم الأدلة ، وتقدم أنه مقصور على المتذكرين ، إشارة إلى أن من عداهم بقر{[44127]} سارحة ، وعرف أن ما دعا إليه الشرع هو الصلاح ، وضده هو الفساد ، وكان العقل إنما هو لمعرفة الصلاح فيتبع ، والفساد فيجتنب{[44128]} ، وكان الطالب لإنزال آية إلى غير ذلك لا سيما بعد آيات متكاثرة ودلالات ظاهرة موضعاً لأن يعجب{[44129]} منه ، قال{[44130]} على سبيل التعجب{[44131]} عطفاً على قوله { وفرحوا } مظهراً لما{[44132]} من شأنه الإضمار تنبيهاً على الوصف الذي أوجب لهم التعنت : { ويقول الذين كفروا } أي ستروا ما دعتهم إليه عقولهم من الخير وما لله{[44133]} من الآيات عناداً { لولا{[44134]} } أي هلا ولم لا .

ولما كان ما تحقق أنه من عند الملك لا يحتاج إلى السؤال عن الآتي{[44135]} به ، بني للمفعول قوله : { أنزل عليه } أي هذا الرسول صلى الله عليه وسلم { آية } أي علامة بينة { من ربه } أي المحسن إليه بالإجابة لما يسأله لنهتدي بها فنؤمن به ، وأمره بالجواب عن ذلك بقوله : { قل } أي لهؤلاء المعاندين : ما أشد عنادكم حيث قلتم هذا القول الذي تضمن إنكاركم{[44136]} لأن يكون نزل إلي آية مع أنه لم يؤت أحد من الآيات مثل ما أوتيت ، فعلم قطعاً أنه ليس إنزال الآيات سبباً للايمان بل أمره إلى الله { إن الله } أي الذي لا أمر لأحد معه { يضل من يشاء } إضلاله{[44137]} ممن لم ينب ، بل أعرض عن دلالة العقل ونقض ما أحكمه{[44138]} من ميثاق المقدمات المنتجة للقطع بحقية ما دعت إليه الرسل لما جبل عليه قلبه من الغلظة ، فصار بحيث لا يؤمن ولو نزلت عليه كل آية ، لأنها كلها متساوية الأقدام في الدعوة إلى ما دعا إليه العقل لمن له عقل ، وقد نزل قبل هذا آيات متكاثرة{[44139]} دالات أعظم دلالة على المراد { ويهدي } عند دعاء الداعين { إليه } أي طاعته . بمجرد دليل العقل من غير طلب آية { من أناب } أي من كان قلبه ميالاً مع الأدلة رجاعاً إليها لأنه شاء إنابته كأبي بكر الصديق وغيره ممن{[44140]} تبعه من العشرة المشهود لهم بالجنة وغيرهم ،


[44127]:في ظ: يقر، وفي مد: تقر.
[44128]:من م ومد، وفي الأصل: و ظ: ليجتنب.
[44129]:في ظ: تعجب.
[44130]:في الأصول: فقال.
[44131]:في ظ: التعجب.
[44132]:زيد بعده في ظ: في.
[44133]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الله.
[44134]:تكرر في الأصل و م بعد قوله "للمفعول قوله".
[44135]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: الاي- كذا.
[44136]:في ظ: إنكارهم.
[44137]:في ظ: إضلالهم.
[44138]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: أحكمته.
[44139]:منى ظ و م ومد، وفي الأصل: متكاثراة.
[44140]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بمن.