سورة   الرعد
 
محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ} (27)

[ 27 ] { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب 27 } .

{ ويقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه } كقولهم{[5092]} : { فليأتنا بآية كما أرسل الأولون } وتقدم الكلام على هذا غير مرة . وقوله تعالى : { قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب } جملة جرت مجرى التعجب من قولهم ، مشيرة إلى أنه من باب العناد والاقتراح لما لا تقتضيه الحكمة من الآيات المحسوسة التي لا يمهل أحد بعد مجيئها ، لا من باب طلب الهداية . وإلا فلو كان بغيتهم طلب الهداية بآية لكفاهم إنزال هذا الكتاب من مثله ، صلوات الله عليه ، آية ، فإنه آية الآيات . . ! ولكنهم قوم / آثروا الضلال على الهدى ، زاغوا عنه فأزاغ الله قلوبهم . فطوى ما دل عليه هذه الجملة ، إيجازا للعلم بها .

قال أبو السعود : { قل : إن الله يضل من يشاء } إضلاله مشيئة تابعة للحكمة الداعية إليها ، أي يخلق فيه الضلال لصرفه اختياره إلى تحصيله ، ويدعه منهمكا فيه ، لعلمه بأنه لا ينجح فيه اللطف ولا ينفعه الإرشاد كمن كان على صفتكم في المكابرة والعناد ، والغلوّ في الفساد . فلا سبيل له إلى الاهتداء ، ولو جاءته كل آية . ثم قال : { ويهدي إليه من أناب } أي : أقبل إلى الحق وتأمل في تضاعيف ما نزل من دلائله الواضحة . وحقيقة الإنابة الدخول في نوبة الخير . وإيثار إيرادها في الصلة على إيراد المشيئة ، كما في الصلة الأولى ، للتنبيه على الداعي إلى الهداية بل على مشيئتها ، والإشعار بما دعا إلى المشيئة الأولى المكابرة . وفيه حث للكفرة على الإقلاع عما هم عليه من العتو والعناد . وإيثار صيغة الماضي للإيماء إلى استدعاء الهداية لسابقة الإنابة ، كم أن إيثار صيغة المضارع في الصلة الأولى للدلالة على استمرار المشيئة حسب استمرار مكابرتهم ، انتهى .


[5092]:[21 / الأنبياء / 5].