قوله تعالى : { وإذا قيل لهم } . يعني للمنافقين ، وقيل لليهود أي قال لهم المؤمنون .
قوله تعالى : { لا تفسدوا في الأرض } . بالكفر وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل معناه لا تكفروا ، والكفر أشد فساداً في الدين .
قوله تعالى : { قالوا إنما نحن مصلحون } . يقولون هذا القول كذباً كقولهم آمنا وهم كاذبون .
ثم وصفهم الله - تعالى - بعد ذلك بجملة من الرذائل والقبائح مضافة إلى قبائحهم السابقة فقال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض قالوا . . . } .
الفساد : خروج الشيء عن حالة الاعتدال والاستقامة ، وعن كونه منتفعاً به ، وضده الصلاح ، يقال : فسد الشيء فساداً ، وأفسده إفساداً . والمراد به هنا كفرهم ، ومعاصيهم ، ومن كفر بالله وانتهك محارمه فقد أفسد في الأرض ، لأن الأرض لا تصلح إلا بالتوحيد والطاعة .
ومن أبرز معاصي هؤلاء المنافقين ، ما كانوا يدعون إليه في السر من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وإلقاء الشبه في طريق دعوته ، والتحالف مع المشركين ضد المسلمين كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا .
وسلك القرآن هذا الأسلوب فقال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } بالبناء للمفعول دون أن يسند الفعل إلى فاعله ، لأن مصدر القول المعبر عن النهي عن الإِفساد ليس مصدراً واحداً ، فقد يصل آذانهم هذا النهي مرة من صريح القول . وأخرى مما كانوا يقابلون به من ناحية الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من تجهم وإعراض . وعلق بالفعل الذي هو الإِفساد قوله : { فِي الأرض } إيذاناً بأن الإِفساد مهما ضاقت حدوده ، فإنه لابد يوماً أن يتعدى الحدود إلى ما وراء ذلك فقد يعم ويشمل إذا لم يشتد في الاحتياط له ، لذلك جعل ظرف إفسادهم الأرض كلها مع أنهم موجودون في بقعة محصورة هي المدينة المنورة .
ولقد حكى القرآن جوابهم على نصيحة الناصحين وما فيه من تبجح وادعاء فقال :
{ قالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } . فقد بالغوا في الرد فحصروا أنفسهم أولاً في الإصلاح مبالغة المفجوع الذي أذهلته المفاجأة بكشف أستار حقيقة ، فتراهم لم يقتصروا على أن يقولوا : { إِنّا مُصْلِحُونَ } بل قالوا " إنما " ثم أكدوا الجملة بكونها اسمية ليدلوا بذلك على أن شأنهم في الإصلاح ثابت لازم . قال الراغب : صوروا إفسادهم بصورة الإِصلاح لما في قلوبهم من المر ، كما في قوله - تعالى - : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } وقوله : { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } وقوله : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً . الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }
وصفة أخرى من صفاتهم - وبخاصة الكبراء منهم الذين كان لهم في أول العهد بالهجرة مقام في قومهم ورياسة وسلطان كعبد الله بن أبي بن سلول - صفة العناد وتبرير ما يأتون من الفساد ، والتبجح حين يأمنون أن يؤخذوا بما يفعلون :
( وإذا قيل لهم : لا تفسدوا في الأرض ، قالوا : إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون ) . .
إنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع ، بل يضيفون اليهما السفه والادعاء : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ) . . لم يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الإفساد ، بل تجاوزوه إلى التبجح والتبرير : ( قالوا : إنما نحن مصلحون ) . .
والذين يفسدون أشنع الفساد ، ويقولون : إنهم مصلحون ، كثيرون جدا في كل زمان . يقولونها لأن الموازين مختلة في أيديهم . ومتى اختل ميزان الإخلاص والتجرد في النفس اختلت سائر الموازين والقيم . والذين لا يخلصون سريرتهم لله يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالهم ، لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية ، ولا يثوب إلى قاعدة ربانية . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.