السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ} (11)

{ وإذا قيل لهم } أي : لهؤلاء فهو عطف تفسير على يكذبون فمحله نصب لكونه معطوفاً على خبر كان ، فيكون جزءاً من السبب الذي استحقوا به العذاب الأليم ، أو على يقول ، فلا محلّ له من الإعراب لكونه معطوفاً على صلة من فلا يكون جزءاً من السبب ، والقائل هو الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو بعض المؤمنين ، { لا تفسدوا في الأرض } بالكفر والتعويق عن الإيمان ، والفساد خروج الشيء عن الاعتدال ، والصلاح ضدّه ، والفساد يعمّ كل ضارّ ، والصلاح يعمّ كل نافع ، وكان من إفسادهم في الأرض إثارة الحروب والفتن بمخادعة المسلمين ، ومعاونة الكفار المتمحض كفرهم على المسلمين فإن ما ذكر يؤدّي إلى فساد ما في الأرض من الناس والدواب والحرث ، ومنه إظهار المعاصي والإهانة بالدين فإنّ الإخلال بالشرائع والإعراض عنها وما يوجب القتل والاختلاط ويخل بنظام العالم لا أن ذلك إفساد لأن الإفساد جعل الشيء فاسداً وصنيعهم لم يكن كذلك ، فقوله تعالى : { لا تفسدوا في الأرض } مجاز باعتبار المآل أي : لا تفعلوا ما يؤدّي إلى الفساد وليس معنى الإفساد هنا الإتيان بالفساد ليصح حمل الكلام على الحقيقة ، نبه على ذلك السعد التفتازاني { قالوا إنما نحن مصلحون } جواب لإذا ورد للناصح على سبيل المبالغة والمعنى أنه لا يصح مخاطبتنا بذلك فإن شأننا ليس إلا الإصلاح وإن حالتنا متمحضة عن شوائب الفساد لأن { إنما } تفيد قصر ما دخله على ما بعده مثل إنما زيد منطلق وإنما ينطلق زيد ، وإنما قالوا ذلك لأنهم تصوّروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض كما قال تعالى : { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً } ( فاطر ، 8 } .