الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ} (11)

«وإذا قيل لهم » معطوف على يكذبون . ويجوز أن يعطف على ( يقول آمنا ) لأنك لو قلت : ومن الناس من إذا قيل لهم لا تفسدوا ، كان صحيحاً ، والأوّل أوجه .

والفساد : خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعاً به ، ونقيضه ؛ الصلاح ، وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة . والفساد في الأرض : هيج الحروب والفتن ، لأن في ذلك فساد ما في الأرض وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس والزروع والمنافع الدينية والدنيوية . قال الله تعالى : { وَإِذَا تولى سعى فِى الارض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحرث والنسل } [ البقرة : 205 ] { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء } [ البقرة : 30 ] . ومنه قيل لحرب كانت بين طيء : حرب الفساد . وكان فساد المنافقين في الأرض . أنهم كانوا يمايلون الكفار ويمالئونهم على المسلمين بإفشاء أسرارهم إليهم وإغرائهم عليهم ، وذلك مما يؤدّي إلى هيج الفتن بينهم ، فلما كان ذلك من صنيعهم مؤدياً إلى الفساد قيل لهم : { لا تفسدوا } ، كما تقول للرجل : لا تقتل نفسك بيدك ، ولا تلق نفسك في النار ، إذا أقدم على ما هذه عاقبته . و { إِنَّمَا } لقصر الحكم على شيء ، كقولك : إنما ينطق زيد ، أو لقصر الشيء على حكم كقولك : إنما زيد كاتب . ومعنى { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أن صفة المصلحين خلصت لهم وتمحضت من غير شائبة قادح فيها من وجه من وجوه الفساد .