قوله ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ )[ 10 ] .
كل النحويين على أن " إذا " ظرف زمان مستقبل( {[827]} ) .
وقال المبرد : " هي في المفاجأة ظرف مكان إذا قلت : " خرجت فإذا زيد " ( {[828]} ) . واستدل على ذلك بأنها( {[829]} ) قد تضمنت الجثة( {[830]} ) ، وظروف الزمان( {[831]} ) لا تتضمن الجثة ، لو قلت " اليوم زيد " لم يجز إلا على حذف مضاف تقديره/ : اليوم حدوث زيد .
وقال أكثر النحويين : " إذا " : في المفاجأة ظرف زمان على أصلها والتقدير : " خرجت فإذا حدوث زيد وظروف الزمان تتضمن المصادر كظروف المكان .
وأصل " قيل " : فألقيت حركة الواو على القاف وانقلبت الواو ياء لسكونها/ وانكسار ما قبلها( {[832]} ) . وكذلك " بِيعْ " أصله " بِيِعَ " ، فألقيت حركة( {[833]} ) الياء على الباء( {[834]} ) ، فصارت ذوات/ الواو والياء( {[835]} ) بلفظ واحد ، وهي اللغة المشهورة المستعملة . ولك أن تشم القاف والياء( {[836]} ) بالضم الذي هو أصلها ، وقد قرئ به( {[837]} ) .
ولك في غير القرآن أن تقول : " قُوْل " : فتسكن الواو استثقالاً للكسر( {[838]} ) عليها ، وتترك القاف على ضمتها ، وكذلك يجوز لك فيما كان عينه ياء ، نحو : " بُع المتاع " ، فيصير ذوات الواو والباء بلفظ واحد كما( {[839]} ) صار في اللغة الأولى المستعملة بالياء فيهما .
قوله : ( لاَ تُفْسِدُوا )[ 10 ] .
أي : لا تعبدوا إلا الله ، وعبادة غير الله من أعظم الفساد .
وحكى الكسائي " اللَّرض " ( {[840]} ) بتشديد( {[841]} ) اللام وعوض من الهمزة لاماً ، وإدغامها( {[842]} ) في لام( {[843]} ) التعريف( {[844]} ) . وقال الفراء في هذه اللغة : " إن لام التعريف لما ألقي عليها حركة الهمزة استكره ذلك فيها إذ أصلها السكون ، فزيد بعدها لام أخرى وأسكن الأولى فردها إلى أصلها وأدغمها في اللام المزيدة ، فرجعت لام التعريف إلى أصلها وهو السكون " .
قوله : ( قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )[ 10 ] .
هذا قولهم على دعواهم وليسوا( {[845]} ) كذلك ، لأن من أبطن الكفر وأظهر الإيمان فهو من أعظم المفسدين . وهذا كله خبر عن المنافقين .
قال مجاهد وغيره : " أربع آيات من أول سورة البقرة/ نزلت في نعت المؤمنين وآيتان بعد ذلك في نعت الكافرين ، [ وثلاث عشرة( {[846]} ) ] آية بعد ذلك في نعت المنافقين( {[847]} ) .
وقال مقاتل بن سليمان( {[848]} ) : " الآيتان الأوليان( {[849]} ) من سورة البقرة اللتان آخرهما ( يُنفِقُونَ ) نزلتا في المؤمنين من أصحاب( {[850]} ) رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين . والآيتان اللتان آخرهما ( المُفْلِحُونَ ) نزلتا في المؤمنين من أهل التوراة ، والآيتان اللتان( {[851]} ) بعدهما ، اللتان آخرهما ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) نزلتا( {[852]} ) في الكفار . [ وثلاث عشرة( {[853]} ) ] آية بعدهما نزلن في المنافقين من أهل الكتاب " .
هو اسم مضمر يقع للواحد الجليل القدر ، وللاثنين( {[854]} ) وللجماعة( {[855]} ) . وحقه البناء على السكون لأنه مضمر ، والمضمرات كلها مبنية ؛ وإنما بنيت لأنها( {[856]} ) مشابهة( {[857]} ) للحروف ، إذ لا تخص شيئاً بعينه ، ولأنها تكون على حرف واحد ، وحرف واحد لا يعرب . وإنما حرك " نحن " وحقه السكون لأن قبل آخره ساكن يحرك الآخر لالتقاء الساكنين . واختير لها الضم في قول المبرد( {[858]} ) لأنها مشبهة ب " قَبْلُ " و " بَعْدُ " ، وذلك لأنها تتعلق بالإخبار عن اثنين فأكثر( {[859]} ) .
وقال هشام( {[860]} ) الكوفي : أصل " نَحْنُ " ( {[861]} ) : نَحُن ، فردت حركة الحاء على النون بعدها( {[862]} ) " .
وقال أحمد( {[863]} ) بن يحيى : " ضمت " نحن " لقوتها لأنها تضمنت التثنية [ والجمع( {[864]} ) ] ، وقد تكون للواحد فأعطيت أقوى الحركات وهي الضم " .
وقيل( {[865]} ) : إنما ضمت لتضمنها تثنية وجمعاً( {[866]} ) ، فصارت مشبهة ب " حيث " لأنها تضمنت مكائن( {[867]} ) .
وقال الزجاج : " لما كانت الواو من علامات الجماعة( {[868]} ) واحتيج إلى حركة النون من " نحن " لسكونها وسكون ما قبلها ، حركت بما يشبه الواو وما هو منها ، وهي الضمة . ولهذا ضموا واو الجمع إذا احتاجوا إلى حركتها في نحو قوله : ( اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ( {[869]} ) )( {[870]} ) " .
وقال علي بن سليمان( {[871]} ) : " نحن " من علامات المضمر المرفوع فلما احتيج إلى حركته حركوه بأخت الرفع وهو الضم( {[872]} ) " .
ومعنى قولهم : ( إِنَّمَا( {[873]} ) نَحْن مُصْلِحُونَ ) أي هذا الذي تسمونه/ فساداً هو صلاح عندنا .
وقيل : إن معناه [ أنهم قالوا( {[874]} ) ] : نريد الإصلاح بين المؤمنين وأهل الكتاب( {[875]} ) .
وعن سلمان( {[876]} ) الفارسي أنه قال : " لم يجئ هؤلاء بعد( {[877]} ) " .
وأكثر المفسرين على أن هذا نزل( {[878]} ) في المنافين الذين كانوا( {[879]} ) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم( {[880]} ) .
وقيل : معنى( {[881]} ) قول سلمان( {[882]} ) : " لم يجئ هؤلاء بعد " أي لا يأتون لأنهم قد انقرضوا .
فإن قيل : ما على من لم يعلم أنه مفسد من الذم( {[883]} ) ، فقد أخبر الله( {[884]} ) عنهم أنهم لا يعلمون أنهم مفسدون/ فالجواب أن القوم كانوا يبطنون الفساد وهم يعلمون به ، ويظهرون( {[885]} )/ الصلاح الذي ادعوا ، وهم لا يشعرون أن الله يظهر ما يبطنون ، فإنما معنى ( وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ) : أي( {[886]} ) لا يعلمون أن الله يظهر ما يبطنون من النفاق والكفر( {[887]} ) .
والهاءات من : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ) إلى ( يَّشْعُرُونَ ) يعدن( {[888]} ) على " من " في قوله : ( مَنْ يَّقُولُ ءَامَنَّا ) وهم المنافقون . وعلى هذا أكثر الناس .
ودخلت الألف واللام في ( المُفْسِدينَ ) ، لأنه جواب كلام سبق منهم إذ قالوا : محمد وأصحابه مفسدون في الأرض .
فأخبر الله أنهم هم المفسدون ، ولو كان على غير جواب لم يدخله الألف واللام . ألا ترى لو أنك قال لك قائل : " أنت ظالم " ، فأردت أن ترميه بغير الظلم لقلت : " أنت كاذب أنت فاسق " ، ولا تقوله بالألف واللام ، لأنه غير جواب قوله .
فإن أردت أن ترميه بمثل ما رماك به ، قلت له( {[889]} ) : " أنت الظالم " ، ولو أضمرت/ لقلت : " أنت هو " . ولو رميته بمثل ما رماك به لم يجز الإضمار في جوابك ، إنما تضمر إذا( {[890]} ) رميته بمثل ما رماك به ، لأنه معرفة ، فالجواب معرف أبداً إذا كان رد اللفظ/ الأول .