الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ} (11)

قوله ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ )[ 10 ] .

كل النحويين على أن " إذا " ظرف زمان مستقبل( {[827]} ) .

وقال المبرد : " هي في المفاجأة ظرف مكان إذا قلت : " خرجت فإذا زيد " ( {[828]} ) . واستدل على ذلك بأنها( {[829]} ) قد تضمنت الجثة( {[830]} ) ، وظروف الزمان( {[831]} ) لا تتضمن الجثة ، لو قلت " اليوم زيد " لم يجز إلا على حذف مضاف تقديره/ : اليوم حدوث زيد .

وقال أكثر النحويين : " إذا " : في المفاجأة ظرف زمان على أصلها والتقدير : " خرجت فإذا حدوث زيد وظروف الزمان تتضمن المصادر كظروف المكان .

وأصل " قيل " : فألقيت حركة الواو على القاف وانقلبت الواو ياء لسكونها/ وانكسار ما قبلها( {[832]} ) . وكذلك " بِيعْ " أصله " بِيِعَ " ، فألقيت حركة( {[833]} ) الياء على الباء( {[834]} ) ، فصارت ذوات/ الواو والياء( {[835]} ) بلفظ واحد ، وهي اللغة المشهورة المستعملة . ولك أن تشم القاف والياء( {[836]} ) بالضم الذي هو أصلها ، وقد قرئ به( {[837]} ) .

ولك في غير القرآن أن تقول : " قُوْل " : فتسكن الواو استثقالاً للكسر( {[838]} ) عليها ، وتترك القاف على ضمتها ، وكذلك يجوز لك فيما كان عينه ياء ، نحو : " بُع المتاع " ، فيصير ذوات الواو والباء بلفظ واحد كما( {[839]} ) صار في اللغة الأولى المستعملة بالياء فيهما .

قوله : ( لاَ تُفْسِدُوا )[ 10 ] .

أي : لا تعبدوا إلا الله ، وعبادة غير الله من أعظم الفساد .

وحكى الكسائي " اللَّرض " ( {[840]} ) بتشديد( {[841]} ) اللام وعوض من الهمزة لاماً ، وإدغامها( {[842]} ) في لام( {[843]} ) التعريف( {[844]} ) . وقال الفراء في هذه اللغة : " إن لام التعريف لما ألقي عليها حركة الهمزة استكره ذلك فيها إذ أصلها السكون ، فزيد بعدها لام أخرى وأسكن الأولى فردها إلى أصلها وأدغمها في اللام المزيدة ، فرجعت لام التعريف إلى أصلها وهو السكون " .

قوله : ( قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )[ 10 ] .

هذا قولهم على دعواهم وليسوا( {[845]} ) كذلك ، لأن من أبطن الكفر وأظهر الإيمان فهو من أعظم المفسدين . وهذا كله خبر عن المنافقين .

قال مجاهد وغيره : " أربع آيات من أول سورة البقرة/ نزلت في نعت المؤمنين وآيتان بعد ذلك في نعت الكافرين ، [ وثلاث عشرة( {[846]} ) ] آية بعد ذلك في نعت المنافقين( {[847]} ) .

وقال مقاتل بن سليمان( {[848]} ) : " الآيتان الأوليان( {[849]} ) من سورة البقرة اللتان آخرهما ( يُنفِقُونَ ) نزلتا في المؤمنين من أصحاب( {[850]} ) رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين . والآيتان اللتان آخرهما ( المُفْلِحُونَ ) نزلتا في المؤمنين من أهل التوراة ، والآيتان اللتان( {[851]} ) بعدهما ، اللتان آخرهما ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) نزلتا( {[852]} ) في الكفار . [ وثلاث عشرة( {[853]} ) ] آية بعدهما نزلن في المنافقين من أهل الكتاب " .

قوله : ( نَحْنُ )[ 10 ] .

هو اسم مضمر يقع للواحد الجليل القدر ، وللاثنين( {[854]} ) وللجماعة( {[855]} ) . وحقه البناء على السكون لأنه مضمر ، والمضمرات كلها مبنية ؛ وإنما بنيت لأنها( {[856]} ) مشابهة( {[857]} ) للحروف ، إذ لا تخص شيئاً بعينه ، ولأنها تكون على حرف واحد ، وحرف واحد لا يعرب . وإنما حرك " نحن " وحقه السكون لأن قبل آخره ساكن يحرك الآخر لالتقاء الساكنين . واختير لها الضم في قول المبرد( {[858]} ) لأنها مشبهة ب " قَبْلُ " و " بَعْدُ " ، وذلك لأنها تتعلق بالإخبار عن اثنين فأكثر( {[859]} ) .

وقال هشام( {[860]} ) الكوفي : أصل " نَحْنُ " ( {[861]} ) : نَحُن ، فردت حركة الحاء على النون بعدها( {[862]} ) " .

وقال أحمد( {[863]} ) بن يحيى : " ضمت " نحن " لقوتها لأنها تضمنت التثنية [ والجمع( {[864]} ) ] ، وقد تكون للواحد فأعطيت أقوى الحركات وهي الضم " .

وقيل( {[865]} ) : إنما ضمت لتضمنها تثنية وجمعاً( {[866]} ) ، فصارت مشبهة ب " حيث " لأنها تضمنت مكائن( {[867]} ) .

وقال الزجاج : " لما كانت الواو من علامات الجماعة( {[868]} ) واحتيج إلى حركة النون من " نحن " لسكونها وسكون ما قبلها ، حركت بما يشبه الواو وما هو منها ، وهي الضمة . ولهذا ضموا واو الجمع إذا احتاجوا إلى حركتها في نحو قوله : ( اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ( {[869]} ) )( {[870]} ) " .

وقال علي بن سليمان( {[871]} ) : " نحن " من علامات المضمر المرفوع فلما احتيج إلى حركته حركوه بأخت الرفع وهو الضم( {[872]} ) " .

ومعنى قولهم : ( إِنَّمَا( {[873]} ) نَحْن مُصْلِحُونَ ) أي هذا الذي تسمونه/ فساداً هو صلاح عندنا .

وقيل : إن معناه [ أنهم قالوا( {[874]} ) ] : نريد الإصلاح بين المؤمنين وأهل الكتاب( {[875]} ) .

وعن سلمان( {[876]} ) الفارسي أنه قال : " لم يجئ هؤلاء بعد( {[877]} ) " .

وأكثر المفسرين على أن هذا نزل( {[878]} ) في المنافين الذين كانوا( {[879]} ) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم( {[880]} ) .

وقيل : معنى( {[881]} ) قول سلمان( {[882]} ) : " لم يجئ هؤلاء بعد " أي لا يأتون لأنهم قد انقرضوا .

/ت*

فإن قيل : ما على من لم يعلم أنه مفسد من الذم( {[883]} ) ، فقد أخبر الله( {[884]} ) عنهم أنهم لا يعلمون أنهم مفسدون/ فالجواب أن القوم كانوا يبطنون الفساد وهم يعلمون به ، ويظهرون( {[885]} )/ الصلاح الذي ادعوا ، وهم لا يشعرون أن الله يظهر ما يبطنون ، فإنما معنى ( وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ) : أي( {[886]} ) لا يعلمون أن الله يظهر ما يبطنون من النفاق والكفر( {[887]} ) .

والهاءات من : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ) إلى ( يَّشْعُرُونَ ) يعدن( {[888]} ) على " من " في قوله : ( مَنْ يَّقُولُ ءَامَنَّا ) وهم المنافقون . وعلى هذا أكثر الناس .

ودخلت الألف واللام في ( المُفْسِدينَ ) ، لأنه جواب كلام سبق منهم إذ قالوا : محمد وأصحابه مفسدون في الأرض .

فأخبر الله أنهم هم المفسدون ، ولو كان على غير جواب لم يدخله الألف واللام . ألا ترى لو أنك قال لك قائل : " أنت ظالم " ، فأردت أن ترميه بغير الظلم لقلت : " أنت كاذب أنت فاسق " ، ولا تقوله بالألف واللام ، لأنه غير جواب قوله .

فإن أردت أن ترميه بمثل ما رماك به ، قلت له( {[889]} ) : " أنت الظالم " ، ولو أضمرت/ لقلت : " أنت هو " . ولو رميته بمثل ما رماك به لم يجز الإضمار في جوابك ، إنما تضمر إذا( {[890]} ) رميته بمثل ما رماك به ، لأنه معرفة ، فالجواب معرف أبداً إذا كان رد اللفظ/ الأول .

*ت/


[827]:- انظر: البيان 1/55.
[828]:- انظر: قول المبرد ف تفسير القرطبي 1/201 والبحر المحيط 1/60.
[829]:- في ع1، ح: لأنها.
[830]:- في ق: الجنة. وهو تصحيف.
[831]:- سقط من ق.
[832]:- انظر: هذا التوجيه في إعراب القرآن 1/138، ومشكل الإعراب 1/78 والبيان 1/56، والإملاء 1/18.
[833]:- قوله: "الواو على القاف. حركة" سقط من ع3.
[834]:- في ع1، ح: الياء. وفي ع3: الفاء.
[835]:- في ع1، ح: الفاء. وفي ق: الباء. وفي ع3: الياء بالياء.
[836]:- في ع1، ع3: الباء، وهو تصحيف.
[837]:- سقط من ق.
[838]:- في ع2: الكسر.
[839]:- في ق: كلما. وهو تحريف.
[840]:- في ع2، ق، ع3: الأرض.
[841]:- في ع1، ع3: بالتشديد. وهو خطأ.
[842]:- في ع2، ع3: أدغمها.
[843]:- في ع3: اللام.
[844]:- انظر: إعراب القرآن 1/138.
[845]:- في ع2: ليس.
[846]:- في ع3: ثلاثة عشر، وهو خطأ.
[847]:- انظر: تفسير مجاهد 1/69.
[848]:- هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني، روى عن مجاهد والضحاك والزهري. متروك الحديث. (ت150هـ). انظر: طبقات المفسرين للداودي 2/330.
[849]:- في ع3: الأولتان.
[850]:- في ق: أهل التوراة والآيتان صحاب.
[851]:- قولها "آخرهما المفلحون... اللتان" سقط من ع3.
[852]:- في ق: نزلت.
[853]:- في ع3: ثلاثة عشر.
[854]:- في ع2: ولا اثنين، وهو تحريف.
[855]:- انظر: هذا التوجيه في مشكل الإعراب 1/78، واللسان 3/559.
[856]:- في ع2، ع3: كلها.
[857]:- في ع3: مشبهة. وهو تصحيف.
[858]:- في ع2: البرد. وهو تحريف.
[859]:- انظر قول المبرد: في تفسير القرطبي 1/203 ومشكل الإعراب 1/78.
[860]:- هو هشام بن معاوية، نحوي، ضرير، من أهل الكوفة، أخذ عن الكسائي. (ت209هـ) انظر: نزهة الألبا 129، وإنباه الرواة 3/364.
[861]:- في ق: نحو وهو تحريف.
[862]:- انظر: قول هشام: في تفسير القرطبي 1/203. وقد أورده النحاس ومكي بن أبي طالب بنص قريب. انظر: إعراب القرآن 1/138، مشكل الإعراب 1/79.
[863]:- هو أبو العباس ثعلب البغدادي، إمام النحو واللغة في زمانه أخذ عن أبي الأعرابي وأخذ عنه ابن الأنباري (ت291هـ). انظر: نزهة الألبا 173 وطبقات القراء 1/148.
[864]:- في ع2: للجمع. وهو تحريف.
[865]:- أورد النحاس هذا القول بمعنى قريب معزواً إلى أحمد بن يحيى. انظر: إعراب القرآن 1/138.
[866]:- في ع2: جمعها. وهو تحريف.
[867]:- في ع2، ح: مكان. وفي ق، ح3: مكايد.
[868]:- في ق: الجماعات.
[869]:- انظر: إعراب القرآن 1/138-139، وأورده مكي ولم يعزه إلى أحد. انظر: مشكل الإعراب 1/79.
[870]:- البقرة آية 15.
[871]:- هو أبو الحسن المشهور بالأخفش الصغير، قرأ على ثعلب والمبرد (ت315هـ). انظر: نزهة الألبا 185 وتذكرة الحفاظ 3/790.
[872]:- أورده النحاس ومكي بمعناه دون أن يَعْزُوَاه إلى أحد. انظر: إعراب القرآن 1/139، ومشكل الإعراب 1/79.
[873]:- في ع3: إنا. وهو تحريف.
[874]:- في ع2: قالوا إنهم.
[875]:- انظر: جامع البيان 1/290.
[876]:- في ع3: سليمان. وهو تحريف.
[877]:- انظر: جامع البيان 1/287-288.
[878]:- في ع1، ق: أنزل.
[879]:- سقط من ع2.
[880]:- انظر: جامع البيان 1/289.
[881]:- سقط من ق.
[882]:- في ع3: سليمان. وهو تحريف.
[883]:- في ع2: الدم. وهو تصحيف.
[884]:- سقط لفظ الجلالة "الله" من ع2، ع3.
[885]:- في ق: وهم يظهرون وكأنه.
[886]:- في ق: إذ.
[887]:- انظر هذا القول في تفسير القرطبي 1/204.
[888]:- في ق: ويعدن.
[889]:- في ع2: لأنه. وهو تحريف.
[890]:- في ع2، ح، ع3: إذ.