غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ} (11)

8

البحث الثالث : في قوله تعالى { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض } إلى قوله { ولكن لا يشعرون } .

هذا هو النوع الثاني من قبائح أفعال المنافقين . فقوله { وإذا قيل } إما معطوف على { كانوا يكذبون } أي ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وبما كانوا إذا قيل لهم كذا قالوا كذا ، وإما على " يقول " أي ومن الناس من إذا قيل له . ويحتمل أن يقال الواو للاستئناف ، وإسناد { قيل } إلى { لا تفسدوا } و { آمنوا } ليس من إسناد الفعل إلى الفعل فإنه لا يصح ، ولكنه إسناد إلى لفظ الفعل . أي وإذا قيل لهم هذا القول نحو : زعموا مطية الكذب . والقائل لهم إما النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عنهم النفاق ولم يقطع بذلك نصحهم فأجابوا بما يحقق إيمانهم وأنهم في الصلاح ، وإما بعض من كانوا يلقون إليه الفساد كان لا يقبل منهم ويعظمهم ، وإما بعض المؤمنين ، ولا يجوز أن يكون القائل ممن لا يختص بالدين . والفساد خروج الشيء عن أن يكون منتفعاً به ، ونقيضه الصلاح وهو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة . عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي أن المراد بالإفساد المنهي عنه إظهار معصية الله تعالى ، فإن الشرائع سنن موضوعة بين العباد ، فإذا تمسك الخلق بها زال العدوان ولزم كل أحد شأنه ، فحقنت الدماء وضبطت الأموال وحفظت الفروج وكان ذلك صلاح الأرض وأهلها . وأما إذا أهملت الشريعة وأقدم كل واحد على ما يهواه ، اشتعلت نوائر الفتن من كل جانب ، وحدثت المفاسد . وقيل : هو مداراة المنافقين الكافرين ومخالطتهم إياهم لأنهم إذا مالوا إلى الكفار مع أنهم في الظاهر مؤمنون ، أوْهَمَ ذلك ضعف أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيصير سبباً لطمع الكفار في المؤمنين ، فتهيج الفتن والحروب . وقيل : كانوا يدعون في السر إلى تكذيبه ويلقون الشبه ويفشون أسرار المؤمنين ، ولما نهوا عن الإفساد في الأرض كان قولهم { إنما نحن مصلحون } كالمقابل له . فههنا احتمالات : أحدها : أنهم اعتقدوا في دينهم أنه هو الصواب وكان سعيهم لأجل تقوية ذلك الدين ، فزعموا أنهم مصلحون . وثانيها : إذا فسر الإفساد بموالاتهم الكافرين أن يكون مرادهم أن الغرض من تلك الموالاة هو الإصلاح بين المسلمين كقولهم فيما حكى الله سبحانه { إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً } [ النساء : 62 ] وثالثها : أن يكون المراد إنكار إذاعة أسرار المسلمين ونسبة أنفسهم إلى الاستقامة والسداد ، وجيء بأداة القصر دلالة على أن صفة المصلحين خلصت لهم وتمحضت ، أي حالنا مقصورة على الإصلاح لا تتعداه إلى غيره .