البحث الثالث : في قوله تعالى { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض } إلى قوله { ولكن لا يشعرون } .
هذا هو النوع الثاني من قبائح أفعال المنافقين . فقوله { وإذا قيل } إما معطوف على { كانوا يكذبون } أي ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وبما كانوا إذا قيل لهم كذا قالوا كذا ، وإما على " يقول " أي ومن الناس من إذا قيل له . ويحتمل أن يقال الواو للاستئناف ، وإسناد { قيل } إلى { لا تفسدوا } و { آمنوا } ليس من إسناد الفعل إلى الفعل فإنه لا يصح ، ولكنه إسناد إلى لفظ الفعل . أي وإذا قيل لهم هذا القول نحو : زعموا مطية الكذب . والقائل لهم إما النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عنهم النفاق ولم يقطع بذلك نصحهم فأجابوا بما يحقق إيمانهم وأنهم في الصلاح ، وإما بعض من كانوا يلقون إليه الفساد كان لا يقبل منهم ويعظمهم ، وإما بعض المؤمنين ، ولا يجوز أن يكون القائل ممن لا يختص بالدين . والفساد خروج الشيء عن أن يكون منتفعاً به ، ونقيضه الصلاح وهو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة . عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي أن المراد بالإفساد المنهي عنه إظهار معصية الله تعالى ، فإن الشرائع سنن موضوعة بين العباد ، فإذا تمسك الخلق بها زال العدوان ولزم كل أحد شأنه ، فحقنت الدماء وضبطت الأموال وحفظت الفروج وكان ذلك صلاح الأرض وأهلها . وأما إذا أهملت الشريعة وأقدم كل واحد على ما يهواه ، اشتعلت نوائر الفتن من كل جانب ، وحدثت المفاسد . وقيل : هو مداراة المنافقين الكافرين ومخالطتهم إياهم لأنهم إذا مالوا إلى الكفار مع أنهم في الظاهر مؤمنون ، أوْهَمَ ذلك ضعف أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيصير سبباً لطمع الكفار في المؤمنين ، فتهيج الفتن والحروب . وقيل : كانوا يدعون في السر إلى تكذيبه ويلقون الشبه ويفشون أسرار المؤمنين ، ولما نهوا عن الإفساد في الأرض كان قولهم { إنما نحن مصلحون } كالمقابل له . فههنا احتمالات : أحدها : أنهم اعتقدوا في دينهم أنه هو الصواب وكان سعيهم لأجل تقوية ذلك الدين ، فزعموا أنهم مصلحون . وثانيها : إذا فسر الإفساد بموالاتهم الكافرين أن يكون مرادهم أن الغرض من تلك الموالاة هو الإصلاح بين المسلمين كقولهم فيما حكى الله سبحانه { إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً } [ النساء : 62 ] وثالثها : أن يكون المراد إنكار إذاعة أسرار المسلمين ونسبة أنفسهم إلى الاستقامة والسداد ، وجيء بأداة القصر دلالة على أن صفة المصلحين خلصت لهم وتمحضت ، أي حالنا مقصورة على الإصلاح لا تتعداه إلى غيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.