معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا} (29)

قوله تعالى : { لقد أضلني عن الذكر } عن الإيمان والقرآن ، { بعد إذ جاءني } يعني : الذكر مع الرسول ، { وكان الشيطان } وهو كل متمرد عات من الإنس والجن ، وكل من صد عن سبيل الله فهو شيطان . { للإنسان خذولاً } أي : تاركاً يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب ، وحكم هذه الآية عام في حق كل متحابين اجتمعا على معصية الله .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن العلاء ، أنبأنا أبو أسامة ، عن يزيد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل الجليس الصالح والسوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما تجد منه ريحاً خبيثة " .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن حياة بن شريح ، أخبرني سالم بن غيلان أن الوليد بن قيس التجيبي أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري قال سالم : أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن اسكاب النيسابوري ، أنبأنا أبو العباس الأصم ، حدثنا حميد بن عياش الرملي ، أنبأنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا زهير بن محمد الخراساني ، حدثنا موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا} (29)

{ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذكر بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } أى : والله لقد أضلني هذا الصديق المشئوم عن الذكر أى : عن الهدى بعد إذ جاءني الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالجملة الكريمة تعليل لتمنيه المذكور ، وتوضيح لتملله . وأكده بلام القسم للمبالغة فى بيان شدة ندمه وحسرته .

والمراد بالذكر هنا : ما يشمل القرآن الكريم ، وما يشمل غيره من توجيهات النبى صلى الله عليه وسلم وفى التعبير بقوله : { بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } إشعار بأن هدى الرسول صلى الله عليه وسلم قد وصل إلى هذا الشقي ، وكان فى إمكانه أن ينتفع به .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } أي : وكان الشيطان دائما وأبدا خذولا للإنسان . أي : صارفا إياه عن الحق ، محرضا له على الباطل ، فإذا ما احتاج الإنسان إليه خذله وتركه وفر عنه وهو يقول : إنى برىء منك .

يقال : خذل فلان فلانا ، إذا ترك نصرته بعد أن وعده بها .

وهكذا تكون عاقبة الذين يتبعون أصدقاء السوء ، وصدق الله إذ يقول : { الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين } ومن الأحاديث التى وردت فى الأمر باتخاذ الصديق الصالح ، وبالنهي عن الصديق الطالح ، ما رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مثل الجليس الصالح وجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإمّا أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير ، إما أن يحرق ثوبك ، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا} (29)

21

( لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ) . . لقد كان شيطانا يضل ، أو كان عونا للشيطان ( وكان الشيطان للإنسان خذولا )يقوده إلى مواقف الخذلان ، ويخذله عند الجد ، وفي مواقف الهول والكرب . .

وهكذا راح القرآن يهز قلوبهم هزا بهذه المشاهد المزلزلة ، التي تجسم لهم مصيرهم المخيف ، وتريهم إياه واقعا مشهودا ، وهم بعد في هذه الأرض ، يكذبون بلقاء الله ، ويتطاولون على مقامه دون توقير ، ويقترحون الاقتراحات المستهترة والهول المرعب ينتظرهم هناك والندم الفاجع بعد فوات الأوان .