السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا} (29)

ثم استأنف قوله : الذي يتوقع كل سامع أن يقوله : { لقد } أي : والله لقد { أضلني عن الذكر } أي : عمّى علي طريق القرآن الذي لا ذكر في الحقيقة غيره وصرفني عنه ، والجملة في موضع العلة لما قبلها { بعد إذ جاءني } ولم يكن لي منه مانع يردني عن الإيمان به ، وقرأ نافع وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال ، والباقون بالإدغام وقوله تعالى : { وكان الشيطان } إشارة إلى خليله سماه شيطاناً ؛ لأنه أضله كما يضل الشيطان ، أو إلى كل من كان سبباً للضلال من عتاة الجن والإنس { للإنسان خذولاً } أي : شديد الخذلان يورده ثم يسلمه إلى أكره ما يكون لا ينصره ولو أراد ما استطاع بل هو في شر من ذلك ؛ لأن عليه إثمه في نفسه ، ومثل إثم من أضله .

تنبيه : حكم هذه الآية عام في كل خليلين ومتحابين اجتمعا على معصية الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة » وقال صلى الله عليه وسلم : «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل » وقال صلى الله عليه وسلم «لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي » .