معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

قوله تعالى : { وربك الغني } ، عن خلقه .

قوله تعالى : { ذو الرحمة } ، قال ابن عباس : بأوليائه وأهل طاعته ، وقال الكلبي : بخلقه ذو التجاوز .

قوله تعالى : { إن يشأ يذهبكم } ، يهلككم ، وعيد لأهل مكة .

قوله تعالى : { ويستخلف } ، ويخلف وينشئ .

قوله تعالى : { من بعدكم ما يشاء } . خلقاً غيركم أمثل وأطوع .

قوله تعالى : { كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين } ، أي : آبائهم الماضين قرناً بعد قرن .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

ثم صرح - سبحانه - بغناه عن كل عمل وعن كل عامل ، وبأنه هو صاحب الرحمة الواسعة ، والقدرة النافذة فقال : { وَرَبُّكَ الغني ذُو الرحمة } .

أى : وربك يا محمد هو الغنى عن جميع خلقه من كل الوجوه ، وهم الفقراء إليه فى جميع أحوالهم ، وهو وحده صاحب الرحمة الواسعة العامة التى شملت جميع خلقه .

والجملة الكريمة تفيد الحصر . وقوله : وربك مبتدأ ، والغنى خبره ، وقوله { ذُو الرحمة } خبر بعد خبر . وجوز أن يكون هو الخبر و " الغنى " صفة لربك .

وفى هذه الجملة تنبيه إلى أن ما سبق ذكره من إرسال الرسل وغيره ، ليس لنفعه - سبحانه - ، بل لترحمه على العباد ، وتمهيد لقوله بعد ذلك .

{ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ } أى : أنه - سبحانه - إن يشأ إذهابكم إيها الناس بالإهلاك لفعل ذلك فهو قدير على كل شىء وعلى أن يشىء بعد إذهابكم ما يشاء من الخلق الذين يعملون بطاعته ، ولا يكونون أمثالكم .

والكاف فى قوله : { كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } فى موضع نصب والمعنى : إن الله - تعالى - قادر على أن يستخلف من بعدكم ما يشاء استخلافه مثل ما أنشأكم من ذرية قوم آخرين . ونظريه قوله - تعالى - { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ الله على ذلك قَدِيراً } وقوله { ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله والله هُوَ الغني الحميد إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَرَبّكَ الْغَنِيّ ذُو الرّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مّن ذُرّيّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } .

يقول جلّ ثناؤه : وربك يا محمد الذي أمر عباده بما أمرهم به ونهاهم عما نهاهم عنه وأثابهم على الطاعة وعاقبهم على المعصية ، الغنّى عن عباده ، الذين أمرهم بما أمر ونهاهم عما نهى ، وعن أعمالهم وعبادتهم إياه ، وهم المحتاجون إليه ، لأنه بيده حياتهم ومماتهم وأرزاقهم وأقواتهم ونفعهم وضرّهم ، يقول عز ذكره : فلم أخلقهم يا محمد ولم آمرهم بما أمرتهم به وأنههم عما نهيتهم عنه ، لحاجة لي إليهم ولا إلى أعمالهم ، ولكن لأتفضّل عليهم برحمتي وأثيبهم على إحسانهم إن أحسنوا ، فإني ذو الرأفة والرحمة .

وأما قوله : إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ فإنه يقول : إن يشأ ربك يا محمد الذي خلق خلقه لغير حاجة منه إليهم وإلى طاعتهم إياه يُذْهِبْكُمْ يقول : يهلك خلقه هؤلاء الذين خلقهم من ولد آدم وَيْسَتخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشَاءُ يقول : ويأت بخلق غيركم ، وأمم سواكم يخلفونكم في الأرض من بعدكم ، يعني : من بعد فنائكم وهلاككم . كمَا أنْشَأكُمْ مِنْ ذُرّيّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلقٍ آخرين كانوا قبلكم . ومعنى «مِنْ » في هذا الموضع : التعقيب ، كما يقال في الكلام أعطيتك من دينارك ثوبا ، بمعنى : مكان الدينار ثوبا ، لا أن الثوب من الدينار بعض ، كذلك الذين خوطبوا بقوله : كمَا أنْشأَكُمْ لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين ، ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنهم أنشئوا مكان خَلْقٍ خَلْفَ قوم آخرين قد هلكوا قبلهم . والذرية من قول القائل : ذرأ الله الخلق ، بمعنى خلقهم فهو يذرؤهم ، ثم ترك الهمزة فقيل : ذرا الله ، ثم أخرج الفُعّيلة بغير همز على مثال العُلّية . وقد رُوى عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ : «مِنْ ذَرِيئَةِ قَوْمِ آخَرِينَ » على مثال فَعِيلَة . وعن آخر أنه كان يقرأ : «وَمِنْ ذُرْيَةِ » على مثال عُلْيَة . والقراءة التي عليها القرّاء في الأمصار : ذُرّيّة بضمّ الذال وتشديد الياء على مثال عُلّية . وقد بيّنا اشتقاق ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته ههنا . وأصل الإنشاء : الإحداث ، يقال : قد أنشأ فلان يحدّث القوم ، بمعنى : ابتدأ وأخذ فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

{ الغني } صفة ذات لله عز وجل لأنه تبارك وتعالى لا يفتقر إلى شيء من جهة من الجهات ، ثم تليت هذه الصفة بقوله { ذو الرحمة } فأردف الاستغناء بالتفضل وهذا أجمل تناسق ، ثم عقب بهذه الألفاظ المضمنة الوعيد المحذرة من بطش الله عز وجل في التعجيل بذلك ، وإما مع المهلة ومرور الجديدين ، فكذلك عادة الله في الخلق ، وأما «الاستخلاف » فكما أوجد الله تعالى هذا العالم الآدمي بالنشأة من ذرية قوم متقدمين أصلهم آدم عليه السلام ، وقرأت الجماعة «ذُرِّية » بضم الذال وشد الراء المكسورة ، وقرأ زيد بن ثابت بكسر الذال وكذلك في سورة آل عمران{[5102]} وحكى أبو حاتم عن أبان بن عثمان أنه قرأ «ذَرِية » بفتح الذال وتخفيف الراء المكسورة ، وحكى عنه أبو الزناد أنه قرأ على المنبر «ذَرْية » بفتح الذال وسكون الراء على وزن فعلة ، قال فسألته فقال أقرأنيها زيد بن ثابت ، و { من } في قوله { من ذرية } للتبعيض وذهب الطبري إلى أنها بمعنى قولك أخذت من ثوبي ديناراً بمعنى عنه وعوضه .


[5102]:- في قوله تعالى في الآية (34): {ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم}