غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

131

ثم بين أنه ليس يحتاج إلى طاعة المطيعين ولا يدخل عليه نقص بمعصية العاصين

فقال : { وربك الغني ذو الرحمة } أما أنه غني في ذاته وصفاته وأفعاله وفي أحكامه عن كل ما سواه فلوجوب وجوده ، وأن ما سواه ممكن لذاته مفتقر في الوجود وفي الأمور التابعة للوجود إليه فلا غنيّ إلا هو ، وأما أنه ذو الرحمة فلأن كل ما دخل في الوجود من الخيرات والراحات والكرامات والسعادات من الروحانيات ومن الجسمانيات فهو من الحق وبإيجاده وتخليقه ، والاستقراء دل على أن الخير غالب كالصحة والشبع والسمع والبصر وما ذلك إلا لرحمته الكاملة ورأفته الشاملة . والذي يتصوّر من رحمة الوالدين وغيرهما فإنما ذلك بإيجاد داعية ذلك فيهم ومع ذلك فتمكن الشخص من الانتفاع بها ليس إلا منه تعالى . ومن هذا يعلم تنزهه تعالى عن الظلم والسفه والكذب والعبث . ومن رحمته تكليف الخلائق ليعرضهم للمنافع الباقيات الدائمات . ثم لما وصف نفسه بأنه ذو الرحمة كان لظانّ أن يظن أن للرحمة معدناً مخصوصاً وموضعاً معيناً فبين تعالى بقوله تعالى : { إن يشأ يذهبكم } أنه قادر على وضع الرحمة في هذا الخلق وقادر على أن يخلق قوماً آخرين ويضع رحمته فيهم ، وعلى هذا الوجه يكون الاستغناء عن العالمين أكمل وأتم . ومعنى الإذهاب الإهلاك وأن لا يبلغهم مبلغ التكليف { ويستخلف من بعدكم } أي : من بعد ذهابكم لأن الاستخلاف لا يكون ، إلا على طريق البدل من فائت ، وقوله : { ما يشاء } أي خلق ثالث ورابع . ثم اختلفوا فقال بعضهم : خلقاً آخرين من أمثال الجن والإنس لكن أطوع ، وقال أبو مسلم : يعني خلقاً ثالثاً مخالفاً للثقلين ليكون أقوى في دلالة القدرة .

ثم بيّن سبب قدرته على ذلك فقال { كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين } لأن من قدر على تصوير النطفة المتشابهة الأجزاء بهذه الصور المخصومة قدر على تصويرها بصور أخرى مخالفة لها . وقال في الكشاف : المعنى كما أنشأكم من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح عليه السلام .

/خ140