في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

128

على أن الله - سبحانه - إنما يرسل رسله رحمة بالعباد ؛ فهو غني عنهم ؛ وعن إيمانهم به وعبادتهم له . وإذا أحسنوا فإنما يحسنون لأنفسهم في الدنيا والآخرة . كذلك تتجلى رحمته في الإبقاء على الجيل العاصي الظالم المشرك ، وهو القادر على أن يهلكه ، وينشئ جيلا آخر يستخلفه :

( وربك الغني ذو الرحمة . إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء . كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ) .

فلا ينس الناس أنهم باقون برحمة الله ؛ وأن بقاءهم معلق بمشيئة الله ؛ وأن ما في أيديهم من سلطان إنما خولهم الله إياه . فليس هو سلطاناً أصيلاً ، ولا وجودا مختارا . فما لأحد في نشأته ووجوده من يد ؛ وما لأحد فيما أعطيه من السلطان من قدرة . وذهابهم واستخلاف غيرهم هين على الله . كما أنه أنشأهم من ذرية جيل غبر . واستخلفوا هم من بعده بقدر من الله .

إنها طرقات قوية وإيقاعات عنيفة على قلوب الظالمين من شياطين الإنس والجن الذين يمكرون ويتطاولون ، ويحرمون ويحللون ، ويجادلون في شرع الله بما يشرعون . . وهم هكذا في قبضة الله يبقيهم كيف شاء ، ويذهب بهم أنى شاء ، ويستخلف من بعدهم ما يشاء . . كما أنها ايقاعات من التثبيت والطمأنينة والثقة في قلوب العصبة المسلمة ، التي تلقى العنت من كيد الشياطين ومكرهم ؛ ومن أذى المجرمين وعدائهم . . فهؤلاء هم في قبضة الله ضعافا حتى وهم يتجبرون في الأرض ويمكرون !