قوله عز وجل : { وربك الغني } يعني عن خلقه وذلك أنه تعالى لما بيَّن أن لكل عامل بطباعة أو معصية درجة على قدر عمله بين أن تخصيص المطيعين بالثواب والعاصين بالعقاب ليس لأنه محتاج إلى طاعة المطيع أو منتقص بمعصية العاصي بل هو الغني على الإطلاق وأن جميع الخلق فقراء إليه { ذو الرحمة } قال ابن عباس : يتوبون ويرجعون { إن يشأ يذهبكم } يعني يهلككم . الخطاب لأهل مكة ففيه وعيد وتهديد لهم { ويستخلف } يعني وينشئ ويخلق { من بعدكم } يعني من بعد إهلاككم { ما يشاء } يعني خلقاً غيركم أمثل وأطوع منكم { كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين } اختلف عبارات المفسرين في هذه اللفظة فقال البغوي : يعني آباءهم الماضين قرناً بعد قرن ، ونحوه قال الواحدي وصاحب الكشاف : يعني من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح عليه السلام . وقال الإمام فخر الدين الرازي في قوله تعالى : { ويستخلف من بعدكم } يعني من بعد إذهابكم لأن الاستخلاف لا يكون إلا على طريق البدل من فائت .
وأما قوله { ما يشاء } فالمراد منه خلق ثالث أو رابع واختلفوا فيه ، فقال بعضهم : خلقاً آخر من أمثال الجن والإنس . قال القاضي : وهو الوجه الأقرب لأن القوم يعلمون بالعادة أنه تعالى قادر على إنشاء أمثال هذا الخلق فمتى كمل خلق ثالث ورابع أقوى في دلالة القدرة فكأنه تعالى نبه على أن قدرته ليست مقصورة على جنس دون جنس من الخلق الذين يصلحون لرحمته العظيمة التي هي الثواب فبين بهذا الطريق أنه تعالى لرحمته لهؤلاء الأقوام الحاضرين أبقاهم وأمهلهم ولو شاء لأماتهم وأفناهم وأبدل منهم سواهم ثم بيَّن الله تعالى قوة قدرته على ذلك فقال : { كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين } لأن المرء إذا تفكر علم أنه تعالى خلق الإنسان من نطفة ليس فيها من صورته قليل ولا كثير فوجب أن يكون ذلك بمحض القدرة والحكمة وإذا كان كذلك فكما قدر على تصوير هذه الأجسام بهذه الخاصة فكذلك يقدر على تصويرهم خلقاً آخر مخالفاً لها هذا آخر كلامه . وقال الطبري في قوله { كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين } يقول كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلكم ومعنى من في هذا الموضع التعقيب كما يقال في الكلام أعطيتك من دينارك ثوباً يعني مكان الدينار ثوباً لا أن الثوب من الدينار بعض . كذلك الذين خوطبوا بقوله { كما أنشأكم } لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين ولكن معنى ذلك ما ذكرنا أنهم أنشئوا مكان قوم آخرين قد أهلكوا قبلهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.