تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

الآية 133 وقوله تعالى : { وربك الغني ذو الرحمة } هذا يرد على الثنوية مذهبهم لأنهم يقولون : إنه إنما خلق الخلائق لمنافع نفسه ؛ لأنه ليس بحكيم{[7775]} من فعل فعلا ، لا يقصد منفعة نفسه . فأخبر عز وجل أنه غني بذاته ، [ وأن من ]{[7776]} يقصد قصد المنفعة بفعله لحاجة ، تقع له ، [ ودفع ضرر ]{[7777]} يصيبه ؛ يقصد بالفعل قصد قضاء الحاجة ودفع الضرر{[7778]} عن نفسه . فأما الله سبحانه وتعالى فهو{[7779]} الغني بذاته ، [ وأما الخلائق فهم الفقراء إليه ]{[7780]} لمنافع أنفسهم ، وهو غني عن خلقه على ما أخبر .

وقوله تعالى : { وربك الغني } يحتمل [ هو ]{[7781]} غني عن تعذيب أولئك الكفرة أي لا لمنفعة له في تعذيبهم يعذبهم أو لحاجة له ، ولكن الحكمة توجب ذلك ، أو أن يكون صلة قوله تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } [ الأنعام : 130 ] يقول : لم يرسل إليكم ، ولا امتحنكم بالذي امتحنكم لحاجة نفسه أو لمنفعة له ؛ إذ هو غني بذاته .

وقوله تعالى : { ذو الرحمة } يحتمل [ وجوها :

أحدها : ]{[7782]} { ذو الرحمة } فلا يعجل عليهم بالعقوبة ،

والثاني : { ذو الرحمة } ما خلق الخلائق ، وجعل بعضهم لبعض للانتفاع بهم والاستمتاع ، وإنما خلقهم لمنافع أنفسهم .

والثالث{[7783]} : { ذو الرحمة } من قبل رحمته ، وصار أهلا لها ، فأما من لم يقبل رحمته فإنه ذو انتقام منه .

وقوله تعالى : { إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء } لأنه غني بذاته ، لم يخلقكم لمنافع نفسه أو لحاجته ؛ إن شاء أذهبكم ، واستخلف غيركم . ولو كان خلقه الخلق لمنافع نفسه لكان لا يذهب بهم .

[ وقوله تعالى ]{[7784]} : { ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشاكم من ذرية قوم آخرين } يخبر عن غناء عنهم وعن سلطان وقدرته أنه يقدر على إهلاككم واستئصالكم وإنشاء قوم آخرين . كان خلق الخلائق من جواهر مختلفة ، لا توالد فيهم ، ثم جعل في الآخر التوالد والتناسل ، واستخلاف بعض من بعض بالتوالد والتناسل .


[7775]:- من م، في الأصل لحكم.
[7776]:- في الأصل وم: وإنما.
[7777]:- في الأصل وم: وضرورة.
[7778]:- في الأصل وم: الضرورة.
[7779]:- في الأصل وم: هو.
[7780]:- في الأصل وم: إنما الخلائق.
[7781]:- ساقطة من الأصل وم.
[7782]:- في الأصل وم: وجهين يحتمل.
[7783]:- في الأصل وم: يحتمل قوله.
[7784]:- ساقطة من الأصل وم.