فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

قوله : { وَرَبُّكَ الغني } أي عن خلقه لا يحتاج إليهم ولا إلى عبادتهم لا ينفعه إيمانهم ، ولا يضرّه كفرهم ، ومع كونه غنياً عنهم ، فهو ذو رحمة بهم لا يكون غناه عنهم مانعاً من رحمته لهم ، وما أحسن هذا الكلام الرباني وأبلغه ، وما أقوى الاقتران بين الغنى والرحمة في هذا المقام ، فإن الرحمة لهم مع الغنى عنهم هي غاية التفضل والتطوّل { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أيها العباد العصاة ، فيستأصلكم بالعذاب المفضي إلى الهلاك { وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِ } إهلاك { كَمْ ما يشاء } من خلقه ممن هو أطوع له وأسرع إلى امتثال أحكامه منكم { كَمَا أَنشَأَكُمْ مّن ذُرّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } الكاف نعت مصدر محذوف ، وما مصدرية ، أي ويستخلف استخلافاً مثل إنشائكم من ذرية قوم آخرين ، قيل : هم أهل سفينة نوح ، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك فلم يهلكهم ، ولا استخلف غيرهم رحمة لهم ، ولطفاً بهم .

/خ137