قوله تعالى : { ولو كانوا لا يعقلون * ومنهم من ينظر إليك } . بأبصارهم الظاهرة ، { أفأنت تهدي العمي } ، يريد عمى القلب ، { ولو كانوا لا يبصرون } ، وهذا تسلية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ، يقول : إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع ، ولا أن تهدي من سلبته البصر ، ولا أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن .
ثم صور - سبحانه - ما عليه أولئك الجاحدون من جهالات مطبقة ، وغباء مستحكم فقال - تعالى - : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ . وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي العمي وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } .
أى : ومن هؤلاء المشركين - يا محمد - من يستمعون إليك وأنت تقرأ عليهم القرآن وترشدهم إلى ما ينفعهم ، ولكنهم يستمعون بلا تدبر أو فهم ، فهل أنت - يا محمد - في إمكانك أن تسمع الصم ، ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم ، لأن الأصم العاقل - كما يقول صاحب الكشاف - ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوى الصوت ، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فقد تم الأمر .
ومنهم - أيضاً - من ينظر إليك ، ويشاهد البراهين الدالى على صدقك ، فإن وجهك ليس بوجه كذاب ، ولكنه لا يتبع دعوتك جحودا وعنادا ، فهل أنت في إمكانك أن تهدي العمى ولو انضم إلى فقدان بصرهم فقدان بصيرتهم فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد نعتا على المشركين جهالاتهم ، وانطماس بصيرتهم ، بحيث صاروا لا ينتفعون بنعم الله التي أنعم بها عليهم .
فقد وصمهم - سبحانه - يفقدان السمع والبصر والعقل ، مع أنهم يسمعون ويبصرون ويعقلو ، لأنهم لما لم يستعملوا نعم الله فيما خلقت له ، صارت هيا والعدم سواء .
والاستفهام في الآيتين للإِنكار والاستبعاد .
وجواب { لو } في الآيتين محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والجملة معطوفة على جملة مقدرة مقابلة لها . أى : أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون ، على معنى أفأنت تستطيع إسماعهم في الحالتين ؟ كلا لا تستطيع ذلك وإنما القادر على ذلك هو الله وحده .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنهُمْ مّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ومن هؤلاء المشركين ، مشركي قومك ، من ينظر إليك يا محمد ويرى أعلامك وحججك على نبوّتك ، ولكن الله قد سلبه التوفيق فلا يهتدي ، ولا تقدر أن تهديه ، كما لا تقدر أن تحدث للأعمى بصرا يهتدي به . أفأنْتَ تَهْدِي العُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ يقول : أفأنت يا محمد تحدث لهؤلاء الذين ينظرون إليك وإلى أدلتك وحججك فلا يوفقون للتصديق بك أبصارا لو كانوا عميا يهتدون بها ويبصرون ؟ فكما أنك لا تطيق ذلك ولا تقدر عليه ولا غيرك ، ولا يقدر عليه أحد سواي ، فكذلك لا تقدر على أن تبصرهم سبيل الرشاد ، أنت ولا أحد غيري ، لأن ذلك بيدي وإليّ . وهذا من الله تعالى ذكره تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم عن جماعة ممن كفر به من قومه وأدبر عنه فكذّب ، وتعزية له عنهم ، وأمر برفع طمعه من إنابتهم إلى الإيمان بالله .
{ ومنهم من ينظر إليك } يعاينون دلائل نبوتك ولكن لا يصدقونك . { أفأنت تهدي العُمي } تقدر على هدايتهم . { ولو كانوا لا يبصرون } وإن انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة فإن المقصود من الإبصار هو الاعتبار والاستبصار والعمدة في ذلك البصرة ، ولذلك يحدس الأعمى المستبصر ويتفطن لما لا يدركه البصير الأحمق . والآية كالتعليل للأمر بالتبري والإعراض عنهم .
وقوله { ومنهم من ينظر إليك } الآية ، هي نحو الأولى في المعنى ، وجاء { ينظر } على لفظ { من } ، وإذا جاء الفعل على لفظها فجائز أن يعطف عليه آخر على المعنى ، وإذا جاء أولاً على معناها فلا يجوز أن يعطف آخر اللفظ ، لأن الكلام يلبس حينئذ{[6124]} ، وهذه الآية نحو الأولى في المعنى كأنه قال : ومنهم من ينظر إليك ببصره لكنه لا يعتبر ولا ينظر ببصيرته ، فهو لذلك كالأعمى فهون ذلك عليك ، أفتريد أن تهدي العمي ، والهداية أجمع إنما هي بيد الله عز وجل{[6125]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.