البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِنۡهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يُبۡصِرُونَ} (43)

وأعاد في قوله : ومنهم من ينظر إليك الضمير مفرداً مذكراً على لفظ من ، وهو الأكثر في لسان العرب .

والمعنى : أنهم عمي فلا تقدر على هدايتهم ، لأن السبب الذي يهتدي به إلى رؤية الدلائل قد فقدوه ، هذا وهم مع فقد البصر قد فقدوا البصيرة ، إذ مَن كان أعمى فإنه مهديه نور بصيرته إلى أشياء بالحدس ، وهذا قد جمع بين فقدان البصر والبصيرة ، وهذا مبالغة عظيمة في انتفاء قبول ما يلقى إلى هؤلاء ، إذ جمعوا بين الصمم وانتفاء العقل ، وبين العمى وفقد البصيرة .

وقوله : أفأنت : تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن لا يكترث بعدم قبولهم ، فإنّ الهداية إنما هي لله .

قال ابن عطية : جاء ينظر على لفظ من ، وإذا جاء الفعل على لفظها فجائز أن يعطف عليه آخر على المعنى ، وإذا جاء أولاً على معناها فلا يجوز أن يعطف عليه بآخر على اللفظ ، لأن الكلام يلبس حينئذ انتهى .

وليس كما قال ، بل يجوز أن تراعى المعنى أولاً فتعيد الضمير على حسب ما تريد من المعنى من تأنيث وتثنية وجمع ، ثم تراعي اللفظ فتعيد الضمير مفرداً مذكراً ، وفي ذلك تفصيل ذكر في علم النحو .

والمقصود من الآيتين : إعلامه عليه السلام بأن هؤلاء الكفار قد انتهوا في النفرة والعداوة والبغض الشديد في رتبة من لا ينفع فيه علاج البتة ، لأنّ من كان أصم أحمق وأعمى فاقد البصيرة لا يمكن ذلك أن يقف على محاسن الكلام وما انطوى عليه من الإعجاز ، ولا يمكن هذا أن يرى ما أجرى الله على يدي رسوله من الخوارق ، فقد أيس من هداية هؤلاء .

وقال الشاعر :

وإذا خفيت على المعني فعاذر *** أن لا تراءى مقلة عمياء

ولما ذكر تعالى هؤلاء الأشقياء ،