قوله : { وَمِنْهُمْ من يَسْتَمِعُونَ } الخ بيّن الله سبحانه في هذا أن في أولئك الكفار من بلغت حاله في النفرة والعداوة إلى هذا الحد ، وهي أنهم يستمعون إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن وعلم الشرائع في الظاهر ، ولكنهم لا يسمعون في الحقيقة ؛ لعدم حصول أثر السماع ، وهو حصول القبول والعمل بما يسمعونه ، ولهذا قال : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم } يعني : أن هؤلاء وإن استمعوا في الظاهر فهم صمّ ، والصمم مانع من سماعهم ، فكيف تطمع منهم بذلك مع حصول المانع ، وهو : الصمم ، فكيف إذا انضمّ إلى ذلك أنهم لا يعقلون ، فإن من كان أصمّ غير عاقل ، لا يفهم شيئاً ولا يسمع ما يقال له . وجمع الضمير في يستمعون حملاً على معنى من . وأفرده في { وَمِنهُمْ مَن يَنظُرُ } حملاً على لفظه . قيل : والنكتة : كثرة المستمعين بالنسبة إلى الناظرين ؛ لأن الاستماع لا يتوقف على ما يتوقف عليه النظر ، من المقابلة وانتفاء الحائل وانفصال الشعاع ، والنور الموافق لنور البصر ، والتقدير في قوله : { وَمِنْهُمْ مَن يَسْتَمِعُونَ } { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ } ومنهم ناس يستمعون ، ومنهم بعض ينظر ، والهمزتان في { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ } { أَفَأَنْتَ تَهْدِي } للإنكار ، والفاء في الموضعين للعطف على مقدّر ، كأنه قيل : أيستمعون إليك فأنت تسمعهم ؟ أينظرون إليك فأنت تهديهم ؟ والكلام في : { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي العمي وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } كالكلام في { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ } الخ ؛ لأن العمى مانع ، فكيف يطمع من صاحبه في النظر . وقد انضمّ إلى فقد البصر ، فقد البصيرة ؛ لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يكون له من الحدس الصحيح ما يفهم به في بعض الأحوال فهما يقوم مقام النظر ، وكذلك الأصمّ العاقل ، قد يتحدّس تحدّساً يفيده بعض فائدة ، بخلاف من جمع له بين عمى البصر والبصيرة ، فقد تعذر عليه الإدراك . وكذا من جمع له بين الصمم وذهاب العقل ، فقد انسدّ عليه باب الهدى ، وجواب لو في الموضعين محذوف ، دلّ عليهما ما قبلهما ، والمقصود من هذا الكلام تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الطبيب إذا رأى مريضاً لا يقبل العلاج أصلاً أعرض عنه ، واستراح من الاشتغال به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.