إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمِنۡهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يُبۡصِرُونَ} (43)

{ وَمِنهُمْ من يَنظُرُ إِلَيْكَ } ويعاين دلائلَ نبوّتك الواضحة { أَفَأَنتَ } أي أعقيبَ ذلك أنت تهديهم وإنما قيل : { تَهْدِى العمى } تربيةً لإنكار هدايتِهم وإبرازاً لوقوعها في معرض الاستحالةِ وقد أكد ذلك حيث قيل : { وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } أي ولو انضم إلى عدم البصَر عدمُ البصيرة فإن المقصودَ من الإبصارِ الاعتبارُ والاستبصارُ ، والعمدةُ في ذلك هي البصيرةُ ولذلك يحدس الأعمى المستبصرُ ويتفطن لما لا يدركه البصيرُ الأحمقُ فحيث اجتمع فيهم الحمَقُ والعمى فقد انسد عليهم بابُ الهدى ، وجوابُ لو في الجملتين محذوف لدلالة قوله تعالى : { تُسْمِعُ الصم } و { تَهْدِى العمى } عليه وكلٌّ منهما معطوفةٌ على جملة مقدرةٍ مقابلةٍ لها في الفحوى كلتاهما في موضع الحال من مفعول الفعلِ السابق ، أي أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون ، أفأنت تهدي العميَ لو كانوا يبصرون ولو كانوا لا يبصرون ، أي على كل حال مفروضٍ ، وقد حذفت الأولى في الباب حذفاً مطرداً لدِلالة الثانية عليها دِلالةً واضحةً فإن الشيءَ إذا تحقق عند تحققِ المانعِ أو المانع القويِّ فلأَنْ يتحققَ عند عدمِه أو عند تحققِ المانعِ الضعيفِ أولى ، وعلى هذه النُكتةِ يدور ما في لو وأن الوصلتين من التأكيد وقد مر الكلام في قوله تعالى : { وَلَوْ كَرِهَ الكافرون } [ التوبة : 32 ] ونظائرِه مراراً .