ثم وصف القسم الثاني في قوله تعالى : { ومنهم من ينظر إليك } أي : يعاينون دلائل نبوّتك ولا يصدّقونك { أفأنت تهدي العمي } أي : أتقدر على هدايتهم { ولو كانوا } مع العمى { لا يبصرون } أي : لا بصيرة لهم ؛ لأنَّ الأعمى الذي في قلبه بصيرة قد يحدس ويتظنن ، فأمّا العمى مع الحمق فجهد البلاء ، فلا تقدر على هداية من أعمى الله بصيرته ، فهؤلاء في اليأس من أن يقبلوا أو يصدقوا كالصم والعمي الذين لا عقول لهم ولا بصائر ، فلا يقدر على إسماعهم وهدايتهم إلا الله تعالى .
تنبيه : اختلف في أنّ السمع أفضل أو البصر فمنهم من قال : السمع ، واحتج على ذلك بأمور منها تقدّمه في الآية ، ومنها : أنّ القوة السامعة تدرك المسموع من جميع الجوانب ، والقوّة الباصرة لا تدرك المرئيّ إلا من جهة واحدة ، وهي المقابل ، ومنها : أنّ الإنسان إنما يستفيد العلم من التعلم من الأستاذ ، وذلك لا يكون إلا بقوة السمع ، فاستكمال النفس بالكمالات العلمية لا يحصل إلا بقوة السمع . ومنها : أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يراهم الناس ويسمعون كلامهم ، فنبوّتهم ما حصلت بسبب ما معهم من الصفات المرئية ، وإنما حصلت بسبب ما معهم من الأحوال المسموعة وهو الكلام وتبليغ الشرائع ، وبيان الأحكام . ومنها : أنّ المعنى الذي يمتاز به الإنسان من سائر الحيوانات هو النطق بالكلام ، وإنما ينتفع بذلك بالقوّة السامعة ، فمتعلق السمع النطق الذي يحصل به شرف الإنسان ، ومتعلق البصر إدراك الألوان والأشكال ، وذلك أمر مشترك فيه بين الناس وبين سائر الحيوانات .
ومنهم من قال : البصر ، واحتج بأمور منها : أن آلة القوّة الباصرة هي النور ، وآلة القوّة السامعة هي الهواء ، والنور أشرف من الهواء . ومنها : أنّ جمال الوجه يحصل بالبصر وبذهابه عيبه وذهاب السمع لا يورث الإنسان عيباً في جمال وجهه ، والعرب تسمي : العينين الكريمتين ، ولا تصف السمع بمثل هذا ، وفي الحديث يقول الله تعالى : «من أذهبت كريمتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً دون الجنة » . ومنها : أنهم قالوا في المثل المشهور : ليس وراء العيان بيان . وذلك يدل على أن أكمل وجوه الإدراكات هو الإبصار . ومنها : أنّ كثيراً من الأنبياء سمع الله ، واختلفوا في أنه هل رآه منهم أحد أم لا ؟ وأيضاً فإنّ موسى عليه السلام أسمعه الله تعالى كلامه من غير سبق سؤال والتماس ، فلما طلب الرؤية قال : لن تراني ، وذلك يدل على أنَّ حال الرؤية أعلى من حال السماع ، وهذا هو الظاهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.