الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمِنۡهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يُبۡصِرُونَ} (43)

قوله تعالى : " ومنهم من يستمعون إليك " يريد بظواهرهم ، وقلوبهم لا تعي شيئا مما يقوله من الحق ويتلوه من القرآن ؛ ولهذا قال : " أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون " أي لا تسمع ، فظاهره الاستفهام ومعناه النفي ، وجعلهم كالصم للختم على قلوبهم والطبع عليها ، أي لا تقدر على هداية من أصمه الله عن سماع الهدى . وكذا المعنى في : " ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون " أخبر تعالى أن أحدا لا يؤمن إلا بتوفيقه وهدايته . وهذا وما كان مثله يرد على القدرية قولهم ، كما تقدم في غير موضع . وقال : " يستمعون " على معنى " من " و " ينظر " على اللفظ ، والمراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم ، أي كما لا تقدر أن تسمع من سلب السمع ولا تقدر أن تخلق للأعمى بصرا يهتدي به ، فكذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء للإيمان وقد حكم الله عليهم ألا يؤمنوا . ومعنى : " ينظر إليك " أي يديم النظر إليك ؛ كما قال : " ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت{[8499]} " [ الأحزاب : 19 ] قيل : إنها نزلت في المستهزئين ، والله أعلم .


[8499]:راجع ج 14 ص.