نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمِنۡهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يُبۡصِرُونَ} (43)

{ ومنهم من ينظر } محدقاً أو رامياً ببصره من بعيد { إليك } فهو من التضمين{[38015]} كما سبق في { يستمعون } ؛ نقل عن التفتازاني أنه قال{[38016]} في حاشية الكشاف : وحقيقة التضمين أن يقصد{[38017]} بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه وهو كثير في كلام العرب ، وذلك مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية ، ويتعين جعل الفعل المذكور أصلاً والمذكور حاله تبعاً ، لأن حذفه والدلالة عليه بصلته{[38018]} يدل على اعتباره في الجملة لا على زيادة القصد إليه ، ومن أمثلته : أحمد إليك الله ، أي منهياً إليك حمده ، ويقلب كفيه على كذا ، أي نادماً عليه ، ولا تعد عيناك عنهم } [ الكهف : 28 ] أي مجاوزتين{[38019]} عنهم إلى غيرهم ، { ولا تأكلوا أموالهم } -ضاميها{ إلى أموالكم }[ النساء : 2 ] ، { الرفث - مفضين - إلى نسائكم } [ البقرة : 187 ] ، { ولا تعزموا } [ البقرة : 235 ] أي على النكاح وأنتم تنوون عقدته { ولا يسمعون } مصغين{ إلى الملإ الأعلى } [ الصافات : 8 ] ، سمع الله - أي مستجيباً - لمن حمده ، { والله يعلم المفسد }{[38020]} [ البقرة : 220 ] مميزاً له - { من المصلح }{[38021]} ، { والذين يؤلون } - ممتنعين { من } وطء{ نسائهم } [ البقرة : 226 ] .

ولما كان المعنى أنك يا أكرم الخلق تريد بنظر هذا الناظر إليك أن ينظر إلى ما تأتي{[38022]} به من باهر الآيات فيهتدي{[38023]} وهو غير منتفع بنظره لما جعل عليه من الغشاوة{[38024]} فكان كالأعمى الذي زاد على عدم بصره عدم العقل فلا بصر ولا بصيرة{[38025]} ، قال منكراً لذلك : { أفأنت تهدي العمي } أي عيوناً وقلوباً { ولو كانوا } أي بما جبلوا{[38026]} عليه { لا يبصرون* } أي لا يتجدد لهم بصر ولا بصيرة ، فلا تمكن{[38027]} هدايتهم ، لأن هداية الطريق الحسي لا تمكن إلا بالبصر ، وهداية الطريق المعنوي لا تمكن{[38028]} إلا بالبصيرة ؛ والنظر : طلب الرؤية بتقليب البصر ، ونظر القلب طلب العلم بالفكر ؛ والعمى : آفة تمنع الرؤية عن العين والقلب ؛ والإبصار : إدراك الشيء بما به يكون مبصراً ، فكأنه قيل : ما له فعل بهم هذا والأمر بيده ؟ فقيل : لأنه تام المُلك والمِلك وهو متفضل في جميع نعمه لا يجب عليه لأحد شيء فهو لا يسأل عما يفعل ،


[38015]:في ظ: التضمن.
[38016]:من ظ، وفي الأصل: قاله.
[38017]:من ظ، وفي الأصل: تقصد.
[38018]:من ظ، وفي الأصل: فصليه ـ كذا.
[38019]:من ظ، وفي الأصل: مجاوزين.
[38020]:من ظ والقرآن الكريم سورة 2 آية 220، وفي الأصل: المصلح.
[38021]:من ظ والقرآن الكريم، وفي الأصل: المفسد.
[38022]:من ظ، وفي الأصل: يأتي.
[38023]:من ظ، وفي الأصل: يهتدي.
[38024]:من ظ، وفي الأصل: قساوة.
[38025]:زيد بعده في الأصل: فلذا، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[38026]:من ظ، وفي الأصل: خلقوا.
[38027]:من ظ، وفي الأصل: يمكن.
[38028]:من ظ، وفي الأصل: يمكن.