اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمِنۡهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يُبۡصِرُونَ} (43)

وقال آخرون : البصر أفضلُ من السَّمع لوجوه :

الأول : قولهم في المثل : " ليس ورَاءَ العيانِ بيان " ، فدلَّ على : أنَّ أكمل وجوه الإدراك هو البصر .

الثاني : أنَّ آلة القوَّة الباصرة ، هو النُّور ، وآلة القوة السَّامعة هي الهواء ، والنُّور أشرف من الهواء ، فالقوَّة الباصرة أشرف من القوة السَّامعة .

الثالث : أنَّ عجائب حكمة الله - تعالى - ، في تخليق العين التي هي محل الإبصار ؛ أكثر من عجائب خلقته في الأذن ، التي هي محل السماع ، فإنَّه - تعالى - جعل تمام روح واحد من الأرواح السَّبعة الدِّماغيَّة من العصب ، آلة للإبصار ، وركَّب العين من سبع طبقات ، وثلاث رطوبات ، وجعل لحركات العين عضلات كثيرة على صور مختلفة . والأذنُ ليس كذلك ، وكثرة العناية في تخليق الشيء ، يدل على أنَّه أفضل من غيره .

الرابع : أن البصر يرى ما حصل فوق سبع سماوات ، والسمع لا يدرك ما بعد منه على فرسخ ؛ فكان البصرُ أقوى وأفضل ، وبهذا البيان يدفع قولهم : إنَّ السَّمع يدرك من كل الجوانب ، والبصر لا يدرك إلاَّ من الجانب الواحد .

الخامس : أنَّ كثيراً من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - سمع كلام الله في الدُّنيا ، واختلفوا : هل رآه أحدٌ في الدُّنْيَا أم لا ؟ وأيضاً : فإنَّ موسى أسمعه كلامه من غير سبق سؤال ، ولمَّا سأل الرُّؤية ، قال : { لَن تَرَانِي } [ الأعراف : 143 ] فدل على أنَّ حال الرُّؤية أعلى من حال السَّمْع .

السادس : قال ابن الأنباري : كيف يكون السَّمعُ أفضل من البصر ، وبالبصر يحصل جمال الوجه ، وبذهابه عيبه ، وذهاب السمع لا يورث الإنسان عيباً ، والعربُ تسمي العينين الكريمتين ، ولا تصف السمع بمثل هذا ، ومنه الحديث ؛ يقول الله : " من أذهبت كريمتيه ، فصبر واحتسب ، لم أرض له ثواباً دون الجنة " {[18465]} .


[18465]:أخرجه الترمذي (4/521) كتاب الزهد: باب ما جاء في ذهاب البصر رقم (2401) وأحمد (2/265) والدارمي (2/323) من حديث أبي هريرة.