قوله تعالى : { إنا أوحينا إليك } . هذا بناء على ما سبق من قوله { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء } [ النساء :153 ] ، فلما ذكر الله عيوبهم وذنوبهم ، غضبوا وجحدوا كل ما أنزل الله عز وجل ، وقالوا : { ما أنزل الله على بشر من شيء } فنزل : { وما قدروا الله حق قدره } إذ قالوا : { ما أنزل الله على بشر من شيء } [ الأنعام :91 ] وأنزل .
قوله تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } فذكر عدة من الرسل الذين أوحى إليهم ، وبدأ بذكر نوح عليه السلام لأنه كان أبا البشر مثل آدم عليه السلام ، قال الله تعالى : { وجعلنا ذريته هم الباقي } [ الصافات :77 ] ولأنه أول نبي من أنبياء الشريعة ، وأول نذير على الشرك ، وأول من عذبت أمته لردهم دعوته ، وأهلك أهل الأرض بدعائه ، وكان أطول الأنبياء عمراً ، وجعلت معجزته في نفسه ، لأنه عمر ألف سنة فلم تسقط له سن ، ولم تشب له شعرة ، ولم تنتقص له قوة ، ولم يصبر نبي على أذى قومه ما صبر هو على طول عمره .
قوله تعالى : { وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } ، وهم أولاد يعقوب .
قوله تعالى : { وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا } ، قرأ الأعمش ، وحمزة : { زبوراً } و{ الزبور } بضم الزاي ، حيث كان بمعنى : جمع زبور ، أي آتينا داوود كتباً وصحفاً مزبورةً ، أي : مكتوبة ، وقرأ الآخرون بفتح الزاي ، وهو اسم الكتاب الذي أنزل الله تعالى على داوود عليه السلام ، وكان فيه التحميد والتمجيد والثناء على الله عز وجل ، وكان داوود يبرز إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور ، ويقوم معه علماء بني إسرائيل ، فيقومون خلفه ، ويقوم الناس خلف العلماء ، ويقوم الجن خلف الناس ، الأعظم فالأعظم ، والشياطين خلف الجن ، وتجيء الدواب التي في الجبال فيقمن بين يديه تعجباً لما يسمعن منه ، والطير ترفرف على رؤوسهم ، فلما قارف الذنب لم ير ذلك ، ونفروا من حوله ، فقيل له : ذاك أنس الطاعة ، وهذا وحشة المعصية .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو بكر الجوزقي أنا أبو العباس الرعوف ، أنا يحيى بن زكريا ، أنا الحسن بن حماد بن سعيد الأموي ، عن طلحة بن يحيى ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه قال : قال رسول لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك ؟ لقد أعطيت مزماراً من مزامير آل داود ) ، فقال : أما والله يا رسول الله لو علمت أنك تستمع لحبرته تحبيرا .
وكان عمر رضي الله عنه إذا رآه يقول : ذكرنا يا أبا موسى ، فيقرأ عنده .
ساق - سبحانه - ما يشهد بصدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعوته ، وأنه ليس بدعا من الرسل ، بل هو واحد منهم إلا أنه خاتمهم ، وأرفعهم منزلة عند الله - تعالى - فقال - سبحانه - : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ . . . . بالله شَهِيداً } .
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ( 163 ) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ( 164 ) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 165 ) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ( 166 )
قال الإِمام الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما حكى أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، وذكر - سبحانه - بعد ذلك أنهم لا يسألون لأجل الاسترشاد ، ولكن لأجل العناد واللجاج ، وحكى أنواعا كثيرة من فضائحهم وقبائحهم . . . شرع - سبحانه - بعد ذلك فى الجواب عن شبهاتهم فقال : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ } .
وقوله { أَوْحَيْنَآ } من الإِيحاء و الوحى . والوحى فى الأصل : الإِعلام فى خفاء عن طريق الإِشارة ، أو الإِيماء ، أو الإِلهام ، أو غير ذلك من المعانى التى تدل على أنه إعلام خاص ، وليس أعلاما ظاهراً .
والمراد به هنا إعلام الله - تعالى - نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ما أراد إعلامه به من قرآن أو غيره .
والمعنى : إنا أوحينا إليك يا محمد بكلامنا وأوامرنا نواهينا وهداياتنا . . كما اوحينا إلى نبينا نوح وإلى سائر الأنبياء الذين جاءوا من بعده . فأنت يا محمد لست بدعا من الرسل ، وإنما أنت رسول من عند الله - تعالى - تلقيت رسالتك منه - سبحانه - كما تلقاها غيرك من الرسل .
وأكد - سبحانه - خبر إيحائه صلى الله عليه وسلم ، للاهتمام بهذا الخبر ، ولإِبطال ما أنكره المنكرون لوحى الله - تعالى - على أنبيائه ورسله فقد حكى القرآن عن الجاحدين للحق أنهم قالوا : { مَآ أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } وبدأ سبحانه ؛ بنوح عليه السلام ، لأنه الأب الثانى للبشرية بعد آدم عليه السلام ، ولأن فى ذكره معنى التهديد لأولئك الجاحدين للرسالة السماوية ، فقد أجاب الله تعالى ، دعاءه فى الكافرين فأغرقهم أجمعين .
قال الجمل : وإنما بدأ الله - تعالى - بذكر نوح - عليه السلام - لأنه أول نبى بعث بشريعة ، وأول نذير على الشرك . وكان أول من عذبت أمته لردهم دعوته . وكان أطول الأنبياء عمرا .
والتشبيه فى قوله : { كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ } تشبيه بجنس الوحى ، وإن اختلفت أنواعه ، واختلف الموحى به .
والكاف فى قوله { كَمَآ } نعت لمصدر محذوف ، { مَآ } مصدرية . أى : إنا أوحينا إليك إيحاءاً مثل إيحائنا إلى نوح - عليه السلام - .
وقوله { مِن بَعْدِهِ } جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للبنيين أى : والنبيين الكائنين من بعده أى : من بعد نوح .
وقوله : { وَأَوْحَيْنَآ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط } معطوف على أوحينا إلى نوح ، داخل معه فى حكم التشبيه .
أى : أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ، وكما أوحينا إلى إبراهيم من آزر ، وكما أوحينا إلى ابنه اسماعيل ، وابنه إسحاق ، وكما أوحينا إلى يعقوب بن إسحاق ، وكما أوحينا إلى الأسباط وهم أولاد يعقوب .
قال الآلوسى : والأسباط هم أولاد يعقوب - عليه السلام - فى المشهور . وقال غير واحد : إن الأسباط فى ولد إسحاق كالقبائل فى أولاد إسماعيل وقد بعث منهم عدة رسل . فيجوز أن يكون - سبحانه - أراد بالوحى إليهم ، الوحى إلى الأنبياء منهم . كما تقول : أرسلت إلى بنى تميم ، وتريد أرسلت إلى وجوههم ولم يصح أن الأسباط الذين هم إخوة يوسف كانوا أنيباء ، بل الذى صح عندى - وألف فيه الجلال السيوطى رسالة - خلافه .
وكرر - سبحانه - كلمة { وَأَوْحَيْنَآ } للإِعار بوجود فترة زمنية طويلة بين نوح وبين إبراهيم - عليهما السلام - .
ثم ذكر - سبحانه - عدداً آخر من الأنبياء تشريفا وتكريما لهم فقال { وعيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } .
أى : أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى هؤلاء الأنبياء السابقين ، وكما أوحينا إلى عيسى ابن مريم الذى أنكر نبوته اليهود الذين يسألونك الأسئلة المتعنتة ، وإلى أيوب الذى ضرب به المثل فى الصبر ، وإلى يونس بن متى الذى لم ينس ذكر الله وهو فى بطن الحوت ، وإلى هارون أخى موسى ، وإلى سليمان بن داود الذى آتاه الله ملكما لم يؤته لأحد من بعده .
وقوله : { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } معطوف على قوله : أوحينا ، وداخل فى حكمه لأن إيتاء الزبور من باب الإِيحاء .
وأوثر . قوله هنا : وآتينا على أوحينا ؛ لتحقق المماثلة فى أمر خاص وهو إيتاء الكتاب بعد تحققها فى مطلق الإِيحاء .
والزبور - بفتح الزاى - اسم الكتاب الذى أنزله الله على داود - عليه السلام - قالوا : ولم يكن فيه أحكام ، بل كان كله مواعظ وحكم وتقديس وتحميد وثناء على الله - تعالى - .
ولفظ ( زبور ) هنا بمعنى مزبور أى متكوب . فهو على وزن فعول ولكن بمعنى مفعول . وزبر معناه كتب . أى : وآتينا داود كتابا مكتوبا .
{ إِنا أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىَ نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَىَ وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كمَا أوْحَيْنا إلى نُوحٍ : إنا أرسلنا إليك يا محمد بالنبوّة كما أرسلنا إلى نوح وإلى سائر الأنبياء الذين سميتهم لك من بعده والذين لم أسمهم لك . كما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن منذر الثوريّ ، عن الربيع بن خُثَيْم في قوله : إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كمَا أوْحَيْنا إلى نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِنْ بَعْدِه قال : أوحى إليك كما أوحى إلى جميع النبيين من قبله .
وذكر أن هذه الاَية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن بعض اليهود لما فضحهم الله بالاَيات التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك من قوله : يَسْئَلُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كِتابا مِنَ السّماءِ فتلا ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء بعد موسى . فأنزل الله هذه الاَيات تكذيبا لهم ، وأخبر نبيه والمؤمنين به أنه قد أنزل عليه بعد موسى وعلى من سماهم في هذه الاَية وعلى آخرين لم يسمهم . كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، وحدثنا ابن حيمد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : ثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال سُكَيْن وعديّ بن زيد : يا محمد ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى ، فأنزل الله في ذلك من قولهما : إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كمَا أوْحَيْنا إلى نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِنْ بَعْدِه . . . إلى آخر الاَيات .
وقال آخرون : بل قالوا : لما أنزل الله الاَيات التي قبل هذه في ذكرهم ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ، ولا على عيسى ، فأنزل الله جلّ ثناؤه : وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا مَا أنْزَلَ اللّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ولا على موسى ، ولا على عيسى . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ، قال : أنزل الله : يَسْئَلُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كِتابا مِنَ السّماءِ . . . إلى قوله : وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتانا عَظِيما ، فلما تلاها عليهم يعني على اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة ، جحدوا كلّ ما أنزل الله ، وقالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ، ولا على عيسى ، وما أنزل الله على نبيّ من شيء . قال : فحل حُبْوَته ، وقال : ولا على أحد فأنزل الله جلّ ثناؤه : وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا مَا أنْزَلَ اللّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ .
وأما قوله : وآتَيْنا دَاوُدَ زَبُورا فإن القراء اختلفت في قراءته ، فقرأته عامة قرّاء أمصار الإسلام غير نفر من قرّاء الكوفة : وآتَيْنا دَاوُدَ زَبُورا بفتح الزاي على التوحيد ، بمعني : وآتينا داود الكتاب المسمى زبورا . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفيين : «وآتَيْنا دَاوُدَ زُبُورا » بضمّ الزاي جمع زُبُر ، كأنهم وجهوا تأويله : وآتينا داود كتبا وصحفا مزبورة ، من قولهم : زَبَرْت الكتاب أَزْبُرُه زَبْرا ، وذَبَرْته أَذْبُرُه ذَبْرا : إذا كتبته .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا ، قراءة من قرأ : وآتَيْنا دَاوُدَ زَبُورا بفتح الزاي على أنه اسم الكتاب الذي أوتيه داود ، كما سمى الكتاب الذي أوتيه موسى التوراة ، والذي أوتيه عيسى الإنجيل ، والذي أوتيه محمد الفرقان ، لأن ذلك هو الاسم المعروف به ما أوتي داود ، وإنما تقول العرب زَبور داود ، وبذلك يعرف كتابه سائر الأمم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كمَا أوْحَيْنا إلى نُوحٍ": إنا أرسلنا إليك يا محمد بالنبوّة كما أرسلنا إلى نوح وإلى سائر الأنبياء الذين سميتهم لك من بعده والذين لم أسمهم لك... وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن بعض اليهود لما فضحهم الله بالآيات التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك من قوله: "يَسْألُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كِتابا مِنَ السّماءِ "فتلا ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء بعد موسى. فأنزل الله هذه الآيات تكذيبا لهم، وأخبر نبيه والمؤمنين به أنه قد أنزل عليه بعد موسى وعلى من سماهم في هذه الآية وعلى آخرين لم يسمهم. وقال آخرون: بل قالوا: لما أنزل الله الآيات التي قبل هذه في ذكرهم ما أنزل الله على بشر من شيء، ولا على موسى، ولا على عيسى، فأنزل الله جلّ ثناؤه: "وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا مَا أنْزَلَ اللّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ "ولا على موسى، ولا على عيسى.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قيل: قوله {كما أوحينا إلى نوح} الكاف صلة زائدة؛ معناه: إنا أوحينا إلى نوح ومن ذكر ومن بعده؛ أي لا يختلف ما أنزل إليك وما أنزل إلى غيرك من الرسل. وهو كقوله تعالى: {وإنه لفي زبر الأولين} (الشعراء: 196) (وقوله تعالى) {إن هذا لفي الصحف الأولى} (الأعلى: 18). وقيل: {إنا أوحينا إليك} من الحجج والآيات ما يدل على رسالتك ونبوتك كما أعطي أولئك من الحجج والآيات على صدق ما دعوا من الرسالة والنبوة، ثم لم يؤمنوا...
وقوله تعالى: {وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب} ومن ذكر. يحتمل ذكر إبراهيم ومن ذكر أولاده بعد قوله: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين} على التخصيص لإبراهيم ومن ذكر لأنه ذكر النبيين من بعد نوح، فدخلوا فيه. ثم خصهم بالذكر تفضيلا وتخصيصا. ويحتمل أن يكون قوله تعالى: {والنبيين} الرسل الذين كانوا بعد نوح قبل إبراهيم. ثم ابتدأ الكلام، فقال {وأوحينا إلى إبراهيم} ومن ذكر.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَى نُوحٍ} جعله الله تعالى ثاني المصطفى صلى الله عليه وسلم في موضعين من كتابه في أهل الميثاق بقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} [الأحزاب: 7] والثاني في الوحي، فقال: {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَى نُوحٍ} فإن قيل: ما الحكمة في تقديم نوح على سائر الأنبياء وفيهم من هو أفضل منه؟ يقال: لأنه كان أبا البشر قال الله تعالى {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] وقيل: لأنه أول نبي من أنبياء الشريعة وأول داع ونذير عن الشرك. وقيل: لأنه أول من عذب أمّته لردّهم دعوته وأهلك كل الأرض بدعائه عليهم لأنه كان أطول الأنبياء عمراً. وقيل: إنه كبير الأنبياء، وجعل معجزته في نفسه لأنه عُمِّر ألف سنة ولم ينقص له سن ولم تنقص له قوة ولم يشب له شعر. وقيل لأنه لم يبالغ أحد من الأنبياء في الدين ما بالغ نوح ولم يصبر على أذى قوم ما صبر نوح وكان يدعو قومه ليلاً ونهاراً إعلاناً وإسراراً وكان يشتم ويضرب حتى يغمى عليه فإذا فاق دعا وبالغ وكان الرجل منهم يأخذ بيد ابنه فيقول له: يابني احذر هذا فإنه ساحر كذاب. قال الله تعالى {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم: 52]...
وقيل لأن مقامه الشكر قال الله تعالى {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} [الإسراء: 3]... {وَأَوْحَيْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ} وهم أولاد يعقوب.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
فإن قال قائل: لم قدم ذكر عيسى، وهو متأخر؟ قيل:"الواو" لا توجب الترتيب، وإنما هي للجمع، وقيل: ذكره اهتماما بأمره، وكان أمر عيسى أهم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
الوحي: إلقاء المعنى في خفاء، وعرفه في الأنبياء بواسطة جبريل عليه السلام، وذلك هو المراد بقوله {كما أوحينا} أي بملك ينزل من عند الله، و {نوح} أول الرسل في الأرض إلى أمة كافرة، وصرف نوح مع العجمة والتعريف لخفته، و {إبراهيم} عليه السلام هو الخليل، {وإسماعيل} ابنه الأكبر وهو الذبيح في قول المحققين وهو أبو العرب، {وإسحاق} ابنه الأصغر {ويعقوب} هو ولد إسحاق هو إسرائيل، {والأسباط}: بنو يعقوب، يوسف وإخوته، {وعيسى} هو المسيح، {وأيوب} هو المبتلى الصابر، {ويونس} هو ابن متى، {وهارون} هو ابن عمران، {وسليمان} هو النبي الملك، و {داود}: أبوه، وقرأ جمهور الناس «زَبوراً» بفتح الزاي، وهو اسم كتاب داود تخصيصاً، وكل كتاب في اللغة فهو زبور من حيث تقول زبرت الكتاب إذا كتبته.
اعلم أن الأنبياء المذكورين في هذه الآية سوى موسى عليه السلام اثنا عشر ولم يذكر موسى معهم، وذلك لأن اليهود قالوا: إن كنت يا محمد نبيا فأتنا بكتاب من السماء دفعة واحدة كما أتى موسى عليه السلام بالتوراة دفعة واحدة، فالله تعالى أجاب عن هذه الشبهة بأن هؤلاء الأنبياء الاثني عشر كلهم كانوا أنبياء ورسلا مع أن واحدا منهم ما أتى بكتاب مثل التوراة دفعة واحدة، ثم ختم ذكر الأنبياء بقوله {وءاتينا داوود زبورا} يعني أنكم اعترفتم بأن الزبور من عند الله، ثم إنه ما نزل على داود دفعة واحدة في ألواح مثل ما نزلت التوراة دفعة واحدة على موسى عليه السلام في الألواح، فدل هذا على أن نزول الكتاب لا على الوجه الذي نزلت التوراة لا يقدح في كون الكتاب من عند الله، وهذا إلزام حسن قوي.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
في هذه الآية تنبيه على قدر نبينا صلى الله عليه وسلم وشرفه، حيث قدمه في الذكر على أنبيائه، ومثله قوله تعالى:"وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح" [الأحزاب: 7]...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
قدم نوحاً وجرده منهم في الذكر لأنه الأب الثاني، وأول الرسل، ودعوته عامّة لجميع من كان إذ ذاك في الأرض، كما أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم عامّة لجميع من في الأرض. {وأوحينا إلى ابراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان} خص تعالى بالذكر هؤلاء تشريفاً وتعظيماً لهم، وبدأ بإبراهيم لأنه الأب الثالث، وقدم عيسى على من بعده تحقيقاً لنبوته، وقطعاً لما رآه اليهود فيه، ودفعاً لاعتقادهم، وتعظيماً له عندهم، وتنويهاً باتساع دائرته...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كانت هذه الأوصاف منطبقة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكان من أحوالهم الوحي، قال تعالى إبطالاً لشبهتهم القائلة: لو كان نبياً أتى بكتابه جملة من السماء كما أتى موسى عليه الصلاة والسلام بالتوراة كذلك، بإقرارهم بنبوة هؤلاء الأنبياء عليهم السلام مع كونهم ليس لهم تلك الصفة، ولم يكن ذلك قادحاً في نبوة أحد منهم ولا رسالته: {إنا} ويصح أن يكون هذا تعليلاً ليؤمنوا، أي إنهم آمنوا بما أنزل إليك لأنا {أوحينا إليك كما} أي مثل ما {أوحينا إلى نوح} وقد آمنوا بما به لما أتى به من المعجز الموجب للإيمان من غير توقف على معجز آخر ولا غيره، لأن إثبات المدلول إنما يتوقف على ثبوت الدليل، فإذا تم الدليل كانت المطالبة بدليل آخر طلباً للزيادة وإظهاراً للتعنت واللجاج -والله سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. ولما كان مقام الإيحاء- وهو الأنبياء -من قِبَل الله تعالى قال: {والنبيِّين من بعده} أي فهم يعلمون ذلك بما لهم من الرسوخ في العلم وطهارة الأوصاف، ولا يشكون في أن الكل من مشكاة واحدة، مع أن هذا الكتاب أبلغ، والتعبير فيه عن المقاصد أجلى وأجمع، فهم إليه أميل، وله أقبل، وأما المطبوع على قلوبهم، الممنوعون من رسوخ العلم فيها بكثافة الحجاب، حتى أنها لا تنظر إلى اسراره إلا من وراء غشاء، فهم غير قابلين لنور العلم المتهيئ للإيمان، فأسرعوا إلى الكفر، وبادروا بالذل والصغار، وفي الآخرة بالسخط والنار.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
لا يزال الكلام في أهل الكتاب عامة، وكان أول هذا السياق أنهم يفرقون بين الله ورسله فيدعون الإيمان ببعضهم ويصرحون بالكفر ببعض، وأن هذا عين الكفر. وإيمان يتبع فيه الهوى ليس من معرفة الله ومعنى رسالته في شيء. ثم ذكر بعده شيء من عناد اليهود خاصة وإعناتهم وسؤالهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وبين له تعالى أنهم شاغبوا موسى صلى الله عليه وآله وسلم من قبله وسألوه ما هو أكبر من ذلك، وكفروا بعيسى وبهتوا بأمه، وحاولوا قتله وصلبه، فليس كفرهم وعنادهم ناشئا عن عدم وضوح الدليل، بل عن عناد أصيل وهوى دخيل، كأنه يقول له إنه لولا ذلك لبادروا إلى الإيمان بك أيها الرسول، ولما شاغبوك بهذا القال والقيل، لأن أمر نبوتك ورسالتك، أوضح دليلا وأقوم قيلا مما يدعون الإيمان بمثله ممن قبلك. ولهذا ناسب أن يختم الكلام في محاجة اليهود ويمهد للكلام في محاجة النصارى ببيان أن الوحي جنس واحد، وأنه لو كان إيمانهم بمن يدعون الإيمان بهم من الرسل السابقين صحيحا مبنيا على الفهم والبصيرة لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال عز وجل:
{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين ومن بعده} أي إنا بما لنا من العظمة والإرادة المطلقة اللائقة بمقام الألوهية، والرحمة التي هي شأن الربوبية، قد أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن، كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده الذين يدعي الإيمان بهم هؤلاء الناس، ولم ننزل على أحد من أممهم ولا منهم كتابا من السماء، كما سألوك للتعجيز والعناد، لأن الوحي ضرب من الإعلام السريع الخفي، وما هو بالأمر المشاهد الحسي، بل هو أمر روحي، يعد الله له النبي، {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} [الشورى:52]. الوحي في اللغة يطلق على الإشارة والإيماء، ومنه قوله تعالى: {فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا} [مريم:11] وعلى الإلهام الذي يقع في النفس وهو أخفى من الإيماء ومنه قوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى) [القصص:7] ويظهر أن هذا بعناية خاصة من الله تعالى، وعلى ما يكون غريزة دائمة ومنه قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل} [النحل:68] وعلى الإعلام في الخفاء وهو أن تعلم إنسانا بأمر تخفيه عن غيره، ومنه قوله تعالى: {شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى البعض} [الأنعام:113] وأطلق على الكتابة والرسالة لما يكون فيهما من التخصيص. ووحي الله إلى أنبيائه هو ما يلقيه إليهم من العلم الضروري الذي يخفيه عن غيرهم بعد أن يكون أعد أرواحهم لتلقيه بواسطة كالملك أو بغير واسطة. وعرفه الأستاذ الإمام في رسالة التوحيد بأنه (عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين لأنه من قبل الله، بواسطة أو بغير واسطة. والأول بصوت يتمثل لسمعه أو بغير صوت. ويفرق بينه وبين الإلهام بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس وتنساق إلى ما يطلب على غير شعور منها من أين أتى. وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن والسرور) ثم بين وجه إمكانه ووقوعه في فصلين لم ينسخ أحد على منوالهما... وأما الأسباط فجمع سبط وهو يطلق على ولد الولد. وأسباط بني إسرائيل اثنا عشر سبطا، فكل نسل ولد من أولاد يعقوب العشرة وولدي ابنه يوسف وهما (أفرايم ومنسي) يسمى سبطا ولذلك قيل إن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في ولد إسماعيل...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
أولهما أن كل نبي من هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في هذا النص الكريم يختص بصفة؛ فإبراهيم أبو الأنبياء وإسماعيل أبو العرب، وإسحاق أبو أنبياء بني إسرائيل ومثله يعقوب، وقد اختص بالصبر على فراق ولده، وحبيبه والأسباط وهم أولاد يعقوب عليه السلام جمع سبط وهو ولد الولد مثل للغيرة البشرية تعتري الشباب في فورته وحدته، ثم يثوب إلى رشده بعد أن يكتمل عقله، وتكتمل نفسه وقد أوحى الله تعالى إليهم، وبلغوا مرتبة الأصفياء المهديين، ولعل الوحي إليهم كان من قبيل الإلهام لأنه لم يكن لهم رسالات بشرائع خاصة، وعيسى عليه السلام كان روحانيا في حياته كلها، ولد من غير أب، وعاش طول حياته يدعو إلى الروح، والخروج من سلطان المادة فله بين الأنبياء خواصه، وهو من البشر الذين خلقهم الله تعالى آية للعالمين، وأيوب عليه السلام له صفة الصبر على المرض الأليم وقد قال تعالى فيه: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين (83) فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعبدين (84)} (الأنبياء). ويونس عليه السلام إذ تخلى عنه الصبر فهذبه ربه في الدنيا، ثم صار من المخلصين وقد قال سبحانه: {وإن يونس لمن المرسلين (139) إذ أبق إلى الفلك المشحون (140) فساهم فكان من المدحضين (141) فالتقمه الحوت وهو مليم (142) فلولا أنه كان من المسبحين (143) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون (144) فنبذناه بالعراء وهو سقيم (145)} (الصافات).
وقد ختم سبحانه ذلك الفريق من النبيين بذكر داود فقال تعالى: {وآتينا داوود زبورا} أي كما أعطينا داود كتابا خاصا هو الزبور... ويظهر أن كتاب الزبور لم يكن فيه بيان للأحكام لأن التوراة كانت شرائعها في النظام المتبع، بل هو حكم ومواعظ، ولقد أعطى الله سبحانه وتعالى داود صفتين تبدوان بين الناس متعارضتين إحداهما أنه كان رجل حرب وجلاد، ورجل حكم وفصل بين الناس. والثانية أنه كان طيب النفس متواضعا متطامنا، فكان لا يأكل إلا من عمل يده ولذلك كان مثلا للنبوة التي تحكم وترشد وتتواضع وتقود الجيوش وهو الذي كان تحت يده كل خزائن ملكه، ويعف عن أن يمد يده إليه، ويأكل من عمل يده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان حاله:"إن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" فهو النبي الملك القائد الذي أدخل نفسه في زمرة العمال إذ كان لا يأكل إلا من عمل يده.
ونعلم أن الحق حينما يتكلم يأتي بضمير التكلم وضمير التكلم له ثلاثة أوجه فهو يقول مرة:"إنا" ومرة ثانية: "إنني "وثالثة يخاطب خلقه بقوله: "نحن"، وهنا يقول:"إنا أوحينا إليك كما أوحينا "ونشاهد في موقع آخر من القرآن الكريم قوله الحق: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا} (من الآية14سورة طه) وفي موضع ثالث يقول: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)} (سورة الحجر)...
والحق هنا يقول:"إنا أوحينا إليك "أي أنه أوحى بمنهج ليصير الإنسان سيدا في الكون، يصون نفسه والكون معا، وصيانة الكائن والكون تقتضي علما وحكمة وقدرة ورحمة، لذلك فالوحي يحتاج إلى صفات كثيرة متآزرة صنعت الكون...
الأسلوب القرآني حين يأتي ب" إني "يشير إلى وحدة الذات وحين يأتي ب" إنا "يشير إلى تجمع صفات الكمال لأن كل فعل من أفعال الله يقتضي حشدا من الصفات علما وإرادة وقدرة وحكمة وقبضا وبسطا وإعزازا وإذلالا وقهارية ورحمانية لذلك لا بد من ضمير التعظيم الذي يقول فيه النحويون: إن" نحن "و" إنا "للمعظم نفسه وقد عظم الحق نفسه، لأن الأمر هنا حشد صفات يتطلبها إيجاد الكون والقيام على أمر الكون... ونلحظ أنه جل وعلا ذكر الوحي عاما لكنه حينما جاء لداود ذكر اسم كتابه" الزبور "ولم يأت في الآية بأسماء الكتب المنزلة على الرسل السابقين مثل نزول التوراة على موسى والإنجيل على عيسى؛ لأن ما جاء به داود في الزبور أمر تجمع عليه كل الشرائع، وهو تحميد الله الثناء عليه فلم توجد في الزبور أية أحكام.