السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا} (163)

وقوله تعالى :

{ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتاباً من السماء ، واحتجاج عليهم بأنّ شأنه في الوحي إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا ، وبدأ بذكر نوح عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه كان أبا البشر مثل آدم عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى : { وجعلنا ذريته هم الباقين } ( الصافات ، 77 ) ؛ ولأنه أوّل نبيّ من أنبياء الشريعة وأول نذير على الشرك وأوّل من عذبت أمته لردهم دعوته ، وأهلك أهل الأرض بدعائه ، وكان أطول الأنبياء عمراً ، وجعلت معجزته في نفسه ؛ لأنه عمر ألف سنة فلم ينقص له سن ولم يشب له شعرة ولم تنقص له قوّة ولم يصبر أحد على أذى قومه ما صبر هو على طول عمره { و } كما { أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق } بني إبراهيم { ويعقوب } بن إسحق { والأسباط } أولاد يعقوب وظاهر هذا أنهم كلهم أنبياء وهو أحد قوليه ، والقول الآخر : أن يوسف هو النبي فقط وعلى هذا فالمراد المجموع { وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وآتينا } أباه { داود زبوراً } قرأ حمزة بضم الزاي مصدر بمعنى مزبوراً أي : مكتوباً ، والباقون بالنصب على إنه اسم للكتاب المؤتى ، وكان فيه التحميد والتمجيد والثناء على الله عز وجلّ .

كان داود يبرز إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور ويقوم معه علماء بني إسرائيل ، فيقومون خلفه ، ويقوم الناس خلف العلماء ، ويقوم الجن خلف الناس الأعظم فالأعظم ، والشياطين خلف الجن ، وتجيء الدواب التي في الجبال فيقمن بين يديه تعجباً لما يسمعن منه ، والطير ترفرف على رؤوسهم ، فلما قارف الذنب لم ير ذلك فقيل له : ذاك أنس الطاعة وهذا وحشة المعصية ، قال السيوطي في شرح التنبيه : إنّ الزبور مئة وخمسون سورة ما بين قصار وطوال ، والطويلة منها قدر ربع حزب ، والقصيرة قدر سورة النصر اه .

وعن أبي موسى قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو رأيتني البارحة وأنا أسمع لقراءتك لقد أعطيت مزماراً من مزامير داود ) . وكان عمر إذا رآه قال : ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ عنده ، وإنما خص هؤلاء بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم تعظيماً لهم .