هذا انتقال إلى الاعتبار بخلق الله الإِنسان وخلقه الجن .
والقول في مجيء المسند فعلاً كالقول في قوله : { علم القرآن } [ الرحمن : 2 ] .
والمراد بالإِنسان آدم وهو أصل الجنس وقوله : { من صلصال } تقدم نظيره في سورة الحجر ( 2 ) .
والفخار : الطين المطبوخ بالنار ويُسمى الخزَف . وظاهر كلام المفسرين أن قوله : { كالفخار } صفة ل { صلصال } . وصرح بذلك الكواشي في « تلخيص التبصرة » ولم يعرجوا على فائدة هذا الوصف . والذي يظهر لي أن يكون كالفخار حالاً من { الإنسان } ، أي خلقه من صلصال فصار الإِنسان كالفخار في صورة خاصة وصلابة .
والمعنى أنه صلصال يابس يشبه يبس الطين المطبوخ والمشبه غير المشبه به ، وقد عبر عنه بالحمأ المسنون ، والطين اللازب ، والتراب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال: {خلق الإنسان} يعني آدم، عليه السلام {من صلصال} يعني من تراب الرمل، ومعه الطين الحر، قال ابن عباس: الصلصال: الطين الجيد إذا ذهب عنه الماء، فتشقق، فإذا تحرك تقعقع، وأما قوله: {كالفخار} يعني هو بمنزلة الفخار من قبل أن يطبخ، يقول: كان ابن آدم من قبل أن ينفخ فيه الروح بمنزلة الفخار أجوف...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ" يقول تعالى ذكره: خلق الله الإنسان وهو آدم من صلصال: وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ، فإنه من يبسه له صلصلة إذا حرّك ونقر كالفخار يعني أنه من يُبسه وإن لم يكن مطبوخا، كالذي قد طُبخ بالنار، فهو يصلصل كما يصلصل الفخار، والفخار: هو الذي قد طُبخ من الطين بالنار...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{خلق الإنسان من صلصال كالفخار} ذكر في خلق الإنسان أحوالا مختلفة: مرة قال: {خلقه من تراب} [آل عمران: 59] والتراب هو الذي لم يصبه الماء. ومرة قال: خلقه {من طين} [الأنعام: 2 و..] والطين هو التراب الذي أصابه الماء، واعتجن. ومرة قال: خلقه {من طين لازب} [الصافات: 11] واللازب هو الذي يلتصق باليد، ويلزقه، وهو الجير الخالص. وقال مرة: خلقه {من حمإ مسنون} [الحجر: 26] وهو الذي اسودّ، وتغير من طول المكث. ومرة قال: خلقه {من صلصال كالفخار} [الرحمان: 14] والصلصال هو الذي له صوت إذا حرك. وهو من صلصلة الحديد. ويحتمل {صلصال} أي منتن، يقال: صل البئر إذا أنتن، والفخار هو الذي تكسر إذا يبس. فجائز أن تكون هذه الأحوال التي ذكرت على اختلافها في ذلك الإنسان: كان في الابتداء ترابا، ثم صار لازبا لأنه كان من جيد الطين وحره. ثم صار مسنونا منتنا أسود لطول مكثه، وصلصالا لكثرة تربيته ولجودته، يكون له صوت. وتشبيهه بالفخار يحتمل وجهين: تكسره ويبسه: لأنه كان ذا جوف كالفخار أو لطول المكث وكثرة التربية؛ إذ طين الفخار له هذه الصفات، والله أعلم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقال آخرون: أراد اسم الجنس، وساغ ذلك من حيث أبوهم مخلوق من الصلصال...
واختلف الناس في اشتقاق الصلصال، فقال مكي فيما حكى النقاش: هو من صلّ اللحم وغيره إذا نتن، فهي إشارة إلى الحمأة. وقال الطبري وجمهور المفسرين: هو من صلّ إذا صوت، وذلك في الطين لكرمه وجودته، فهي إشارة إلى ما كان من تربة آدم من الطين الحر، وذلك أن الله تعالى خلقه من طيب وخبيث ومختلف اللون، فمرة ذكر في خلقه هذا، ومرة هذا، وكل ما في القرآن في ذلك صفات ترددت على التراب الذي خلق منه. و «الفخار»: الطين الطيب إذا مسه الماء فخر أي ربا وعظم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{من صلصال} أي طين يابس له صوت إذا نقر عليه {كالفخار} أي كالخزف المصنوع المشوي بالنار لأنه أخذه من التراب ثم خلطه بالماء حتى صار طيناً ثم تركه حتى صار حماء مسنوناً مبيناً، ثم صوره كما يصور الإبريق وغيره من الأواني ثم أيبسه حتى صار في غاية الصلابة فصار كالخزف الذي إذا نقر عليه صوت صوتاً يعلم منه هل فيه عيب أم لا، كما أن الآدمي بكلامه يعرف حاله وغاية أمره ومآله، فالمذكور هنا غاية تخليقه وهو أنسب بالرحمانية، وفي غيرها تارة مبدؤه وتارة إنشاؤه، فالأرض أمه والماء أبوه ممزوجين بالهواء الحامل للجزء الذي هو من فيح جهنم، فمن التراب جسده ونفسه، ومن الماء روحه وعقله، ومن النار غوايته وحدته، ومن الهواء حركته وتقلبه في محامده ومذامه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{كالفخار} صفة ل {صلصال}. وصرح بذلك الكواشي في « تلخيص التبصرة» ولم يعرجوا على فائدة هذا الوصف. والذي يظهر لي أن يكون كالفخار حالاً من {الإنسان}، أي خلقه من صلصال فصار الإِنسان كالفخار في صورة خاصة وصلابة. والمعنى أنه صلصال يابس يشبه يبس الطين المطبوخ والمشبه غير المشبه به...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.