التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ} (4)

خبر ثالث تضمن الاعتبار بنعمة الإِبانة عن المراد والامتنان بها بعد الامتنان بنعمة الإِيجاد ، أي علّم جنس الإِنسان أن يُبين عما في نفسه ليفيده غيره ويستفيد هو .

والبيان : الإِعراب عما في الضمير من المقاصد والأغراض وهو النطق وبه تميز الإِنسان عن بقية أنواع الحيوان فهو من أعظم النعم .

وأما البيان بغير النطق من إشارة وإيماء ولمح النظر فهو أيضاً من مميزات الإنسان وإن كان دون بيان النطق .

ومعنى تعليم الله الإِنسان البيانَ : أنه خلق فيه الاستعداد لعلم ذلك وألهمه وضع اللغة للتعارف ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها } في سورة البقرة ( 31 ) .

وفيه الإِشارة إلى أن نعمة البيان أجل النعم على الإنسان ، فعدّ نعمة التكاليف الدينية وفيه تنويه بالعلوم الزائدة في بيان الإنسان وهي خصائص اللغة وآدابها .

ومجيء المسند فعلاً بعد المسند إليه لإِفادة تقوّي الحكم .

وفيه من التبكيت ما علمته آنفاً ، ووجهه أنهم لم يشكروه على نعمة البيان إذ صرفوا جزءاً كبيراً من بيانهم فيما يلهيهم عن إفراد الله بالعبادة وفيما ينازعون به من يدعوهم إلى الهدى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ} (4)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{علمه البيان} يعني بيان كل شيء...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"عَلّمَهُ البَيانَ "يقول تعالى ذكره: علّم الإنسانَ البيان. ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالبيان في هذا الموضع؛

فقال بعضهم: عنى به بيان الحلال والحرام...

وقال آخرون: عنى به الكلام: أي أن الله عزّ وجلّ علم الإنسان البيان...

والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: أن الله علّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودُنياه من الحلال والحرام، والمعايش والمنطق، وغير ذلك مما به الحاجة إليه، لأن الله جلّ ثناؤه لم يخصص بخبره ذلك، أنه علّمه من البيان بعضا دون بعض، بل عمّ فقال: علّمه البيان، فهو كما عمّ جلّ ثناؤه...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{عَلَّمَهُ البَيَانَ} أسماء كل شيء، وقيل: علّمه اللغات كلّها...

وقال أبو العالية ومرّة الهمذاني وابن زيد: يعني الكلام الحسن، والمنطق والتمييز. وقال محمد ابن كعب: ما يقول وما يقال له. وقال السدي: علّم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فالبيان هو الأدلة الموصلة إلى العلم. وقيل: البيان إظهار المعنى للنفس بما يتميز به عن غيره كتميز معنى رجل من معنى فرس، ومعنى قادر من معنى عاجز، ومعنى عام من معنى خاص، ومعنى شيء من معنى هذا بعينه، وفيه تنبيه على أنه تعالى خلق الإنسان غير عالم، ثم علمه البيان...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{البيان} النطق والفهم والإبانة عن ذلك بقول. قاله ابن زيد والجمهور، وذلك هو الذي فضل الإنسان من سائر الحيوان...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

...

...

...

...

...

...

...

...

...

.

المسألة الثالثة: ما المراد من الإنسان؟ نقول: هو الجنس، وقيل: المراد محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد آدم و (الأول) أصح نظرا إلى اللفظ في {خلق} ويدخل فيه محمد وآدم وغيرهما من الأنبياء.

المسألة الرابعة: ما البيان وكيف تعليمه؟ نقول: من المفسرين من قال: البيان المنطق فعلمه ما ينطق به ويفهم غيره ما عنده، فإن به يمتاز الإنسان عن غيره عن الحيوانات، وقوله: {خلق الإنسان} إشارة إلى تقدير خلق جسمه الخاص، و {علمه البيان} إشارة إلى تميزه بالعلم عن غيره. وقد خرج ما ذكرنا أولا أن البيان هو القرآن وأعاده ليفصل ما ذكره إجمالا بقوله تعالى: {علم القرآن} كما قلنا في المثال حيث يقول القائل: علمت فلانا الأدب حملته عليه، وعلى هذا فالبيان مصدر أريد به ما فيه المصدر، وإطلاق البيان بمعنى القرآن على القرآن في القرآن كثير، قال تعالى: {هذا بيان للناس} وقد سمى الله تعالى القرآن فرقانا وبيانا والبيان فرقان بين الحق والباطل، فصح إطلاق البيان، وإرادة القرآن.

المسألة الخامسة: كيف صرح بذكر المفعولين في علمه البيان ولم يصرح بهما في علم القرآن نقول: أما إن قلنا: إن المراد من قوله علم القرآن هو أنه علم الإنسان القرآن، فنقول حذفه لعظم نعمة التعليم وقدم ذكره على من علمه وعلى بيان خلقه، ثم فصل بيان كيفية تعليم القرآن، فقال: {خلق الإنسان علمه} وقد بين ذلك، وأما إن قلنا: المراد {علم القرآن} الملائكة فلأن المقصود تعديد النعم على الإنسان ومطالبته بالشكر ومنعه من التكذيب به، وتعليمه للملائكة لا يظهر للإنسان أنه فائدة راجعة إلى الإنسان وأما تعليم الإنسان فهي نعمة ظاهرة، فقال: {علمه البيان} أي علم الإنسان تعديدا للنعم عليه ومثل هذا قال في: {اقرأ} قال مرة: {علم بالقلم} من غير بيان المعلم، ثم قال مرة أخرى: {علم الإنسان ما لم يعلم} وهو البيان.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{علمه البيان} وهو القوة الناطقة، وهي الإدراك للأمور الكلية والجزئية والحكم على الحاضر والغائب بقياسه على الحاضرة تارة بالتوسم وأخرى بالحساب ومرة بالعيافة والزجر وطوراً بالنظر في الآفاق وغير ذلك من الأمور مع التمييز بين الحسن والقبيح وغير ذلك مما أودعه سبحانه وتعالى له مع تعبيره عما أدركه بما هو غائب في ضميره وإفهامه للغير تارة بالقول وتارة بالفعل نطقاً وكتابة وإشارة وغيرها، فصار بذلك ذا قدرة على الكمال في نفسه والتكميل لغيره، فهذا تعليم البيان الذي مكن من تعليم القرآن...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

خبر ثالث تضمن الاعتبار بنعمة الإِبانة عن المراد والامتنان بها بعد الامتنان بنعمة الإِيجاد، أي علّم جنس الإِنسان أن يُبين عما في نفسه ليفيده غيره ويستفيد هو.

والبيان: الإِعراب عما في الضمير من المقاصد والأغراض وهو النطق وبه تميز الإِنسان عن بقية أنواع الحيوان فهو من أعظم النعم.

وأما البيان بغير النطق من إشارة وإيماء ولمح النظر فهو أيضاً من مميزات الإنسان وإن كان دون بيان النطق.

ومعنى تعليم الله الإِنسان البيانَ: أنه خلق فيه الاستعداد لعلم ذلك وألهمه وضع اللغة للتعارف، وقد تقدم عند قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} في سورة البقرة (31).

وفيه الإِشارة إلى أن نعمة البيان أجل النعم على الإنسان، فعدّ نعمة التكاليف الدينية وفيه تنويه بالعلوم الزائدة في بيان الإنسان وهي خصائص اللغة وآدابها.

ومجيء المسند فعلاً بعد المسند إليه لإِفادة تقوّي الحكم.

وفيه من التبكيت ما علمته آنفاً، ووجهه أنهم لم يشكروه على نعمة البيان إذ صرفوا جزءاً كبيراً من بيانهم فيما يلهيهم عن إفراد الله بالعبادة وفيما ينازعون به من يدعوهم إلى الهدى.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

...ولو أخذنا «البيان» بمعناه الواسع الذي يشمل الخطّ والكتابة والفنون المختلفة، فإنّه سيتّضح لدينا بصورة أكثر دوره الهامّ في الحياة الإنسانية...

ومن هنا ندرك لماذا جاءت عبارة (تعليم البيان) بعد نعمة خلق الإنسان في سورة الرحمن التي هي مجموعة من هبات الله تعالى...