{ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } أي خلقهما وما فيهما كما مر بيانه في " الأعراف " أو ما في جهتي العلو والسفل وجمع السماوات دون الأرض لاختلاف العلويات بالأصل والذات دون السفليات . { وكان عرشه على الماء } قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لأنه كان موضوعا على متن الماء ، واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم . وقيل كان الماء على متن الريح والله اعلم بذلك . { ليبلوكم أيّكم أحسن عملا } متعلق ب { خلق } أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون ، فإن جملة ذلك أسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ودلائل وأمارات تستدلون بها وتستنبطون منها ، وإنما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث إنه طريق إليه كالنظر والاستماع ، وإنما ذكر صيغة التفضيل والاختبار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن والقبح للتحريض على أحاسن المحاسن ، والتحضيض على الترقي دائما في مراتب العلم والعمل فإن المراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله " . والمعنى أيكم أكمل علما وعملا . { ولئن قلت إنّكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } أي ما البعث أو القول به أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان . وقرأ حمزة والكسائي " إلا ساحر " على أن الإشارة إلى القائل . وقرئ " أنكم " بالفتح على تضمن قلت معنى ذكرت أو أن يكون أن بمعنى على أي ولئن قلت علّكم مبعوثون ، بمعنى توقعوا بعثكم ولا تبتوا بإنكاره لعدوه من قبيل ما لا حقيقة له مبالغة في إنكاره .
قال أكثر أهل التفسير : «الأيام » هي من أيام الدنيا ، وقالت فرقة : هي من أيام الآخرة يوم من ألف سنة . قاله كعب الأحبار ، والأول أرجح .
وأجزاء ذكر السماوات عن كل ما فيها إذ كل ذلك خلق في الستة الأيام ، واختلفت الأحاديث في يوم بداية الخلق ، فروي أبو هريرة - فيما أسند الطبري - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال : «خلق الله التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد ، والشجر يوم الاثنين والمكروه يوم الثلاثاء ، والنور يوم الأربعاء ، وبث الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة » ، ونحو هذا من أن البداءة يوم السبت في كتاب مسلم ، وفي الدلائل لثابت : وكان خلق آدم في يوم الجمعة ، لا يعتد به إذ هو بشر كسائر بنيه ، ولو اعتد به لكانت الأيام سبعة خلاف ما في كتاب الله ، وروي عن كعب الأحبار أنه قال : بدأ الله خلق السماوات والأرض يوم الأحد ، وفرغ يوم الجمعة ، وخلق آدم في آخر ساعة منه . ونحو هذا في جل الدواوين أن البدأة يوم الأحد ، وقال قوم : خلق الله تعالى هذه المخلوقات في ستة أيام مع قدرته على خلقها في لحظة . نهجاً إلى طريق التؤدة والمهلة في الأعمال ليحكم البشر أعمالهم ، وروي عن ابن عباس أنه قال : كان العرش على الماء ، وكان الماء على الريح{[6268]} .
وقوله تعالى : { ليبلوكم } متعلق ب { خلق } والمعنى أن خلقه إياها كان لهذا وقال بعض الناس : هو متعلق بفعل مضمر تقديره أعلم بذلك ليبلوكم ، ومقصد هذا القائل : أن هذه المخلوقات لم تكن لسبب البشر .
وقرأ عيسى الثقفي{[6269]} : «ولئن قلتُ » بضم التاء ، وقرأ الجمهور «قلتَ » بفتح التاء .
ومعنى الآية : أن الله عز وجل هذه صفاته وهؤلاء بكفرهم في حيز إن قلت لهم : إنهم مبعوثون كذبوا وقالوا : هذا سحر . أي فهذا تناقض منكم إذ كل مفطور يقر بأن الله خالق السماوات والأرض ، فهم من جملة المقرين بهذا ، ومع ذلك ينكرون ما هو أيسر منه بكثير وهو البعث من القبور إذ البداءة أعسر من الإعادة ، وإذ خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس .
واللام في { لئن } مؤذنة بأن اللام في { ليقولن } لام قسم لا جواب شرط .
وقرأ الأعرج والحسن وأبو جعفر وشيبة وفرقة من السبعة «سحر » وقرأت فرقة «ساحر » وقد تقدم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.