أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه } يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته المذكورة في التوراة والإنجيل . { كما يعرفون أبناءهم } بحلاهم . { الذين خسروا أنفسهم } من أهل الكتاب والمشركين { فهم لا يؤمنون } لتضييعهم ما به يكتسب الإيمان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

{ الذين } رفع بالابتداء وخبره { يعرفونه } و { الكتاب } معناه التوراة والإنجيل وهو لفظ مفرد يدل على الجنس ، والضمير في { يعرفونه } عائد في بعض الأقوال على التوحيد لقرب قوله : { قل إنما هو إله واحد } [ الأنعام : 19 ] وهذا استشهاد في ذلك على كفرة قريش والعرب بأهل الكتاب ، و { الذين خسروا } على هذا التأويل منقطع مرفوع بالابتداء وليس من صفة { الذين } الأولى ، لأنه لا يصح أن يستشهد بأهل الكتاب ويذمون في آية واحدة .

قال القاضي أبو محمد : وقد يصح ذلك لاختلاف ما استشهد فيه بهم وما ذموا فيه ، وأن الذم والاستشهاد ليسا من جهة واحدة ، وقال قتادة والسدي{[4860]} ، وابن جريج : الضمير عائد في { يعرفونه } على محمد عليه السلام ورسالته ، وذلك على ما في قوله : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم } [ الأنعام : 19 ] فكأنه قال وأهل الكتاب يعرفون ذلك من إنذاري والوحي إليَّ ، وتأول هذا التأويل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يدل على ذلك قوله لعبد الله بن سلام إن الله أنزل على نبيه بمكة أنكم تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة فقال عبد الله بن سلام نعم أعرفه بالصفة التي وصفه الله في التوراة فلا أشك فيه ، وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه .

قال القاضي أبو محمد : وتأول ابن سلام رضي الله عنه المعرفة بالابن تحقق صحة نسبه ، وغرض الآية إنما هو الوقوف على صورته فلا يخطىء الأب فيها ، وقالت فرقة : الضمير من { يعرفونه } عائد على القرآن المذكور قبل .

قال القاضي أبو محمد : ويصح أن تعيد الضمير على هذه كلها دون اختصاص ، كأنه وصف أشياء كثيرة ، ثم قال : أهل الكتاب { يعرفونه } أي ما قلنا وما قصصنا وقوله تعالى : { الذين خسروا } الآية ، يصح أن يكون { الذين } نعتاً تابعاً ل { الذين قبله } ، والفاء من قوله { فهم } عاطفة جملة على جملة ، وهذا يحسن على تأويل من رأى في الآية قبلها أن أهل الكتاب متوعدون مذمومون لا مستشهد بهم ، ويصح أن يكون { الذين } رفعاً بالابتداء على استئناف الكلام ، وخبره { فهم لا يؤمنون } والفاء في هذا جواب ، { وخسروا } معناه غبنوها ، وقد تقدم . وروي أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار ، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار فهاهنا هي الخسارة بينة والربح للآخرين .


[4860]:- أخرج أبو الشيخ عن السدي: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهمْ الآية- يعني يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، لأن نعته معهم في التوراة، {الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} لأنهم كفروا به بعد المعرفة. (الدر المنثور).