نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا شَفِيعٍۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (4)

ولما تقرر بما سبق في التي قبلها من اتصافه تعالى بكمال العلم أنه من عنده وبعلمه لا محالة ، وكان هذا أمراً يهتم بشأنه ويعتني{[54478]} بأمره ، لأنه عين المقصود الذي{[54479]} ينبني عليه أمر الدين ، وختم ما ذكره من أمره ههنا بإقامة اهتدائهم مقام الترجي بإنذاره صلى الله عليه وسلم ، أتبعه بيان ذلك بإيجاد عالم الأشباح والخلق ثم عالم الأرواح والأمر ، وإحاطة العلم بذلك كله على وجه يقود تأمله إلى الهدى ، فقال مستأنفاً شارحاً لأمر يندرج فيه إنزاله {[54480]}معبراً بالاسم الأعظم{[54481]} لاقتضاء الإيجاد والتدبير على وجه الانفراد له : { الله } أي الحاوي لجميع صفات الكمال وحده : { الذي خلق السماوات } كلها { والأرض } بأسرها { وما بينهما } من المنافع العينية{[54482]} والمعنوية .

ولما كانت هذه الدار مبنية على حكمة الأسباب كما أشير إليه في لقمان ، وكان الشيء إذا عمل بالتدرج كان أتقن{[54483]} ، قال : { في ستة أيام } كما يأتي تفصيله في فصلت ، وقد كان قادراً على فعل ذلك في أقل من لمح البصر ، ويأتي في فصلت سر كون المدة ستة{[54484]} .

ولما كان تدبير هذه وحفظه وتعهد مصالحه والقيام بأمره أمراً - بعد أمر إيجاده - باهراً ، أشار إلى عظمته بأداة التراخي والتعبير بالافتعال{[54485]} فقال : { ثم استوى على العرش } أي استواء لم يعهدوا مثله وهو أنه{[54486]} أخذ في تدبيره و{[54487]} تدبير ما حواه{[54488]} بنفسه ، لا شريك له ولا نائب عنه ولا وزير ، كما تعهدون من ملوك الدنيا إذا اتسعت ممالكهم ، وتباعدت أطرافها ، وتناءت أقطارها ، وهو معنى قوله تعالى استئنافاً جواباً لمن كأنه قال : العرش بعيد عنا جداً فمن استنابه {[54489]}في أمرنا{[54490]} ، ولذلك لفت{[54491]} الكلام إلى{[54492]} الخطاب لأنه اقعد في التنبيه : { {[54493]}مالكم{[54494]} من دونه } لأنه كل ما سواء من دونه وتحت قهره ، ودل على عموم النفي بقوله : { من ولي } أي يلي أموركم ويقوم بمصالحكم وينصركم إذا حل بكم شيء مما تنذرون به { ولا شفيع } يشفع عنده في تدبيركم أو في أحد منكم بغير إذنه ، وهو كناية عن قربه من كل شيء وإحاطته به ، وأن إحاطته بجميع خلقه على حد سواء لا مسافة بينه وبين شيء أصلاً{[54495]} .

ولما كانوا مقرين بأن الخلق خلقه والأمر أمره ، عارفين بأنه لا يلي وال من قبل ملك من الملوك {[54496]}إلا بحجة{[54497]} منه يقيمها على أهل{[54498]} البلدة التي أرسل إليها أو ناب فيها ، ولا يشفع شفيع فيهم إلا وله إليه وسيلة ، تسبب عن ذلك الإنكار عليهم في قوله : { أفلا تتذكرون } أي تذكراً{[54499]} عظيماً بما أشار إليه الإظهار ما

{[54500]}تعلمونه من{[54501]} أنه الخالق وحده ، ومن أنه لا حجة لشيء مما أشركتموه بشيء مما أهلتموه{[54502]} له ولا وسيلة لشيء منهم إليه يؤهل بها في الشفاعة فيكم ولا أخبركم أحد منهم بشيء{[54503]} من ذلك ، فكيف تخالفون في هذه الأمور التي هي أهم المهم ، لأن عاقبتها خسارة الإنسان نفسه ، فضلاً عما دونها عقولكم وما جرت به عوائدكم ، وتتعللون فيها بالمحال ، وتقنعون بقيل وقال ، وتخاطرون فيه{[54504]} بالأنفس والأولاد والأموال .


[54478]:في ظ: يعنى.
[54479]:زيد من ظ وم ومد.
[54480]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[54481]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[54482]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الغيبية.
[54483]:زيد من ظ وم ومد.
[54484]:زيد من ظ ومد.
[54485]:زيد من ظ ومد.
[54486]:زيد من ظ ومد.
[54487]:زيد من ظ وم ومد.
[54488]:زيد من ظ ومد.
[54489]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بأمرنا.
[54490]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بأمرنا.
[54491]:زيد من ظ وم ومد.
[54492]:في ظ: في.
[54493]:ليس ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[54494]:ليس ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[54495]:زيد من ظ ومد.
[54496]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لا يحجبه.
[54497]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لا يحجبه.
[54498]:زيد من ظ وم ومد.
[54499]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تذكيرا.
[54500]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تعلمون.
[54501]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تعلمون.
[54502]:من م ومد، وفي الأصل وظ: أهملتموه.
[54503]:زيد من ظ وم ومد.
[54504]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فيها.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا شَفِيعٍۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (4)

قوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ ( 4 ) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ( 5 ) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( 6 ) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ( 7 ) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ ( 8 ) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ } .

يخبر الله عن بالغ قدرته وعظيم سلطانه ومشيئته ؛ إذ خلق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من الكائنات والأجرام وما يربط ذلك كله من قوانين كونية في غاية الدقة والإحكام . وذلكم هو خلق الله الواسع الهائل المديد الذي تعجز الأذهان عن تصور مداه ؛ لفرط عظمته وسعته ، وكثرة ما فيه من عجائب وأحداث وأشياء .

لقد خلق الله ذلك كله في ستة أيام { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } { اسْتَوَى } بمعنى قصد : وقيل : استولى {[3672]} أي استولى على العرش بإحداثه .

قوله : { مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ } ينذر الله عباده ؛ إذ يحذرهم عصيانه ومخالفة أمره ؛ فهم إن كذبوا رسوله ونكلوا عن عبادة الله وحده وعن اتباع منهجه الحكيم فلن يجدوا من دونه { ولي } أي ناصرا ينصرهم من دونه { وَلا شَفِيعٍ } من الشفع ، بمعنى الضم{[3673]} أي ليس من أحد يضم جاهه ومكانته إليكم لينفعكم أو يدفع عنكم البلاء والشدة وأنتم مجموعون ليوم القيامة . وإنما الله وحده الخالق المدبر المقتدر ، وهو الناصر والقاهر والمعز ، وليس من أحد يشفع عنده يوم القيامة إلا بإذنه .

قوله : { أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ } أفلا تتدبرون ما أنزل الله إليكم من الحجج والبينات فتتعظوا وتزدجروا عن الإشراك بالله واتخاذ الآلهة المصطنعة من دونه .


[3672]:القاموس المحيط ص 1673.
[3673]:القاموس المحيط ص 948.