ولما أتم الخبر عن الجنان التي بها القوام نعمة ونقمة ، أتبعه مواضعه السكان فقال : { وجعلنا } أي بما لنا من العظمة ، ونبه بنزع الجار على عمارة جميع تلك الأراضي{[56722]} بالبناء والانتفاع فقال : { بينهم } أي بين قرى أهل سبأ { وبين القرى } اي مدناً كانت أو دونها { التي باركنا } أي بركة اعتنينا بها اعتناء من يناظر آخر بغاية العظمة { فيها } أي بأن جعلناها محال العلم والرزق بالأنبياء وأصفياء الأولياء وهي بلاد الشام { قرى ظاهرة } أي {[56723]}من أرض الشام{[56724]} في أشراف الأرض وما صلب منها و{[56725]} علا ، لأن البناء فيها{[56726]} أثبت ، والمشي بها أسهل ، والابتهاج برؤية جميع الجنان وما فيها من النضرة منها أمكن . فهي ظاهرة للعيون بين تلك الجنان ، كأنها الكواكب الحسان{[56727]} ، مع تقاربها بحيث يرى بعضها من بعض وكثرة المال{[56728]} بها والمفاخر والنفع {[56729]}والمعونة{[56730]} للمارة ؛ قال البغوي{[56731]} : كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام .
ولما كانت مع هذا الوصف ربما كان فيها عسر على المسافر لعدم الموافقة في المقيل والمبيت ، أزال هذا بقوله : { وقدرنا فيها السير } أي جعلناه على مقادير هي في غاية الرفق بالمسافر في نزوله متى أراد من ليل أو نهار على ما جرت به عوائد السفار ، فهي لذلك حقيقة بأن يقال لأهلها{[56732]} والنازلين بها على سبيل الامتنان : { سيروا } والدليل على تقاربها جداً قوله : { فيها } ودل على كثرتها وطول مسافتها وصلاحيتها للسير{[56733]} أيّ وقت أريد ، مقدماً لما هو أدل على الأمن وأعدل للسير في البلاد الحارة بقوله : { ليالي } وأشار إلى كثرة الظلال والرطوبة والاعتدال الذي يمكن معه السير في جميع النهار بقوله : { وأياماً } أي في أي وقت شئتم ، {[56734]}ودل{[56735]} على عظيم أمانها في كل وقت بالنسبة إلى كل ملم{[56736]} بقوله : { آمنين * } أي من خوف وتعب ، أو ضيعة أو عطش أو سغب .
قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ ( 18 ) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } .
ذلك إخبار من الله عما أوتيه أهل سبأ من النعم في مساكنهم وإقامتهم ومتاجرهم وأسفارهم وما فعلوا بها من القرآن ، وما حاق بهم بسبب ذلك من القلة والقحوط وذهاب النعمة والحرمان ، وهو قوله : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } أي جعلنا بين سبأ وبين القرى التي بورك فيها بالتوسعة على أهلها في النعم والمياه والخصب والرزق ، وهي قرى الشام ، وقيل : المراد بها قرى صنعاء . وبالأول قال أكثر المفسرين .
قوله : { قُرًى ظَاهِرَةً } أي متواصلة بقرب بعضها من بعض فيظهر لمن في بعضها مات في مقابلته من القرى الأخرى . وذلك لشدة القرب فيما بينها . فهي بذلك ظاهرة للسابلة لم تبعد عن مسالكهم فلا تخفي عليهم .
وقيل : ظاهرة مرتفعة وهي أشرف القرى . وقيل : ظاهرة بمعنى معروفة وذلك لحسنها ورعاية أهلها لمن يمر عليها .
قوله : { وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أي جعلا هذه القرى على مقدار معلوم من السير حتى من سار قرية صباحا وصل إلى أخرى وقت الظهيرة والقيلولة . ومن سار بعد الظهر وصل إلى أخرى عند الغروب فلا يحتاج بذلك إلى زاد ولا مبيت ولا يخاف من عدو ونحوه .
قوله : { سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ } وذلك أمر من الله على لسان أنبيائه . أي قلنا لهم سيروا في تلك القرى { لَيَالِيَ وَأَيَّامًا } أي متى شئتم من ليل أو نهار آمنين من كل مكروه ؛ إذ لا خوف من عدو أو جوع أو عطش ، وإنْ امتدت مدة سفركم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.