الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

وقولُه تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى } الآية ، هذه الآيةُ وَمَا بَعْدَهَا وَصْفُ حالِهم قَبْلَ مَجِيء السَّيْلِ ، وَهِيَ أنَّ اللّهَ تَعَالَى مَعَ مَا كَانَ مَنَحَهُمْ مِنَ الجَنَّتَيْنِ والنِّعْمَةِ الخَاصَّةِ بِهِمْ ؛ كَانَ قَدْ أَصْلَحَ لَهُمْ البِلاَدَ المُتَّصِلَةَ ؛ وَعَمَّرَها وجَعَلَهُمْ أَرْبَابَها ؛ وقدَّرَ السَّيرَ بأنْ قَرَّبَ القُرَى بَعْضَها مِن بَعْضٍ ؛ حَتَّى كَانَ المسَافِر من مَأْرِبَ إلَى الشَّامِ يَبِيتُ فِي قَرْيَةٍ وَيقِيلُ فِي قَريَةٍ فَلاَ يُحْتَاجُ إلى حَمْلِ زَادٍ ، و{ القرى } : المُدُنُ ، والقُرَى التي بُورِكَ فِيها : هِي بِلادُ الشَّامِ بإجْماع المفسِّرِين ، والقُرَى الظَّاهِرَة : هِي الَّتِي بَيْنَ الشَّامِ وَمَأْرِبَ وهِي اسم بَلَدِهِمْ ، قال ابن عباس وغيره : هي قُرى عَرَبيَّةٌ بَيْنَ المدِينةِ والشَّام واختلف فِي مَعْنَى { ظاهرة } فَقَالَت فِرقَة : معناه : مُسْتَعْلِيَةٌ مُرْتَفِعَةٌ فِي الآكَامِ وَهِيَ أشْرَفُ القُرَى ، وَقَالَتْ فِرقَةُ : معناه يَظْهَرُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْض ؛ فَهِي أبَداً فِي قَبْضَةِ عَيْنِ المُسَافِرِ ؛ لاَ يَخْلُو عَنْ رُؤْيَةِ شَيْءٍ مِنْهَا .

قَال ( ع ) : والذي يَظْهرُ لي أَنَّ معنى { ظاهرة } خَارِجَةٌ عَنِ المُدنِ فَهِي عِبَارَة عَنِ القُرَى الصِّغَارِ الَّتِي هِي فِي ظَوَاهِرِ المُدُنِ ؛ واللّه أعلَم ، و{ آمِنِينَ } ، أي : مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ والعَطَشِ وآفاتِ السَّفَرِ .