{ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة } : جاءت هذه الجملة بعد قوله : { وبدلناهم } ، وذلك أنه لما ذكر ما أنعم به عليهم من جنتيهم ، وذكر تبديلها بالخمط والأثل والسدر ، ذكر ما كان أنعم به عليهم من اتصال قراهم ، وذكر تبديلها بالمفاوز والبراري .
وقوله : { وجعلنا } ، وصف تعالى حالهم قبل مجيء السيل ، وهو أنه مع ما كان منهم من الجنتين والنعمة الخاصة بهم ، كان قد أصلح لهم البلاد المتصلة بهم وعمرها وجعلها أربابها ، وقدّر السير بأن قرب القرى بعضها من بعض .
قال ابن عطية : حتى كان المسافر من مأرب إلى الشام يبيت في قرية ويقيل في أخرى ، ولا يحتاج إلى حمل زاد .
والقرى : المدن ، ويقال للجمع الصغير أيضاً قرية .
والقرى التي بورك فيها بلاد الشام ، بإجماع من المفسرين .
والقرى الظاهرة هي التي بين الشأم ومأرب ، وهي الصغار التي هي البوادي . انتهى .
وما ذكره من أن القرى التي بورك فيها هي قرى الشام بإجماع ليس كما ذكر ، قال مجاهد : هي السراوي .
وقال ابن عباس : قرى بيت المقدس .
وبركتها : كثرة أشجارها أو ثمارها .
ووصف قرى بظاهرة ، قال قتادة : متصلة على الطريق ، يغدون فيقيلون في قرية ، ويروحون فيبيتون في قرية .
قيل : كان كل ميل قرية بسوق ، وهو سبب أمن الطريق .
وقال المبرد : ظاهرة : مرتفعة ، أي في الآكام والظراب ، وهو أشرف القرى .
وقيل : ظاهرة ، إذا خرجت من هذه ظهرت لك الأخرى .
وقيل : ظاهرة : معروفة ، يقال هذا أمر ظاهر : أي معروف ، وقيل : ظاهرة : عامرة .
وقال ابن عطية : والذي يظهر لي أن معنى ظاهرة : خارجة عن المدة ، فهي عبارة عن القرى الصغار التي هي في ظواهر المدن ، كأنه فصل بهذه الصفة بين القرى الصغار وبين القرى المطلقة التي هي المدن .
وظواهر المدن : ما خرج عنها في الفيافي والفحوص ، ومنه قولهم : نزلنا بظاهر فلاة أى خارجاً عنها ، وقوله : { ظاهرة } : تظهر ، تسميه الناس إياها بالبادية والضاحية ، ومن هذا قول الشاعر :
فلو شهدتني من قريش عصابة *** قريش البطاح لا قريش الظواهر
يعني : الخارجين من بطحاء مكة .
وفي الحديث : « وجاء أهل الضواحي يسكنون الغرف » { وقدّرنا فيها السير } : قد ذكر أن الغادي يقيل في قرية ، والرائح في أخرى ، إلى أن يصل إلى مقصوده آمناً من عدو وجوع وعطش وآفات المسافر .
قال الضحاك : مقادير المراحل كانت القرى على مقاديرها .
وقال الكلبي : مقادير المقيل والمبيت ، وقال القتبي : بين كل قرية وقرية مقدار واحد معلوم ، وقيل : بين كل قريتين نصف يوم ، وهذه أقوال متقاربة .
والظاهر أن قوله : { سيروا } ، أمر حقيقة على لسان أنبيائهم .
وقال الزمخشري : ولا قول ثم ، ولكنهم لما مكنوا من السير ، وسويت لهم أسبابه ، فكأنهم أمروا بذلك وأذن لهم فيه . انتهى .
ودخول الفاء في قوله فكأنهم لا يجوز ، والصواب كأنهم لأنه خبر لكنهم .
وقال قتادة : كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان ، ولو وجد الرجل قاتل ابنه لم يهجه ، وكان المسافر لا يأخذ زاداً ولا سقاء مما بسط الله لهم من النعم .
وقال الزمخشري : { سيروا فيها } ، إن شئتم بالليل ، وإن شئتم بالنهار ، فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات ؛ أو سيروا في آمنين ولا تخافون ، وإن تطاولت مدة أسفاركم فيها وامتدت أياماً وليالي ؛ أو سيروا فيها لياليكم وأيامكم مدة أعماركم ، فإنكم في كل حين وزمان لا تلقون فيها إلا آمنين . انتهى .
وقدم الليالي ، لأنها مظنة الخوف لمن قال : ومنّ عليهم بالأمن ، حتى يساوي الليل النهار في ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.