تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

الآية 18 وقوله تعالى : { وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة } قيل : متواصلة بعضها ببعض من أرضهم إلى الشام ، على كل ميل قرية وسوق ، وكل شيء فيها [ { وقدّرنا فيها السّير ]{[16975]} سيروا فيها ليالي وأياما آمنين } من الجوع والعطش والسباع وكل ما يخاف منه .

ثم جائز أن يكون ما ذكر من القرى الظاهرة كانت لهم مع الجنان التي ذكرنا بدءا ، فيكون هذا موصولا بالأول ، ولكن على ما ذكر بعض أهل التأويل أنه لما غيّر عليهم ذلك ، وأبدل ، ضاق بهم الأمر ، فمشوا إلى رسلهم ، فقالوا : ادعوا ربكم فليرد علينا ما ذهب عنا ، ونعطيكم ميثاقا أن نعبد الله ، ولا نشرك به شيئا .

فدعوه ، فردّ الله عليهم ، وجعل لهم ما ذكر من قرى ظاهرة ، فذكّرهم الرسل ما وعدوا ربهم ، فأبوا ، فغيّر ذلك .

فسبأ : ذكر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن سبأ أجبل هو أم أرض ؟ قال : فقال له : لم يكن جبلا ولا أرضا ، ولكن كان رجلا من العرب ، ولد عشر قبائل فأما ستٌّ فتيامنوا ، وأما أربع فتشاءموا .

وقال بعضهم : كان سبأ رجلا ، اسمه سبأ ، وسبأهم الذين ذكرهم الله في سورة النمل بقوله : { وجئتُك من سبأ بنبأ يقين } [ النمل : 22 ] وقال بعضهم : هو اسم قرية .

وفي قوله : { وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين } دلالة خلق الأفعال لأنه أخبر أنه جعل بينهم وبين القرى المباركة قرى ظاهرة . والقرى ما اتخذها أهلها .

ثم أخبر أنه جعل ذلك ، والجعل منه خلق . دل أنه خلق أفعال العباد . وأخبر أنه قدّر السير فيها ، والسير ، هو فعل العباد ، والتقدير ، هو الخلق أيضا . دلّ أنه خلق سيرهم ، وخلق اتخاذهم القرى . وذلك على المعتزلة لإنكارهم خلق أفعال العباد .

وقوله تعالى : { قُرىً ظاهرة } قال عامة أهل التأويل : قرى متواصلة بعضها ببعض ، يسيرون من قرية إلى قرية ، وينزلون فيها من غير أن تقع الحاجة ، أو يلحقهم مَؤُنة .

وجائز أن يكون قوله : { قرى ظاهرة } نِعمُها بيّنة .

وقوله تعالى : { وقدّرنا فيها السّير } يحتمل قوله : { وقدّرنا فيها السير } أي قدّرنا فيها السّير لتسيروا فيها ، أو على الأمر ، أي قدّرنا فيها السّير ، وقلنا لهم سيروا في ما أنعم الله عليكم ، وتقلّبوا فيها ليالي وأياما آمنين من الجوع والعدوّ وكل آفة . وقال بعضهم في قوله : { وقدّرنا فيها السّير } أي جعلنا ما بين القرة والقرية مقدارا واحدا .


[16975]:من م، ساقطة من الأصل.