الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

ثم قال تعالى ذكره : { وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة } أي : ومما أنعم الله به على هؤلاء أي : جعل{[55911]} بينهم وبين القرى التي بارك فيها وهي الشام قرى ظاهرة ، قاله مجاهد وقتادة{[55912]} .

قال ابن عباس : هي الأرض المقدسة{[55913]} .

وقوله : { قرى ظاهرة }أي : متصلة متقاربة تتراءى من كان في قرية رأى القرية التي تليها لقربها منها .

قال الحسن : كان أحدهم يغدو فيقيل في قرية ويروح إلى قرية أخرى{[55914]} .

قال الحسن : كانت المرأة تضع زنبيلها{[55915]} على رأسها تشتغل بمغزلها فلا تأتي بيتها حتى يمتلئ من كل الثمار{[55916]} يرقد من غير أن تحترف شيئا ، بل يمتلئ الزنبيل مما يتساقط من الثمار في حال مسيرها تحت الثمار لاتصال بعض الثمار ببعض .

وقال ابن عباس : { قرى ظاهرة } أيك عربية بين المدينة والشام{[55917]} وهو قول الضحاك{[55918]} .

وقال ابن زيد : كان بين قريتهم وبين الشام قرى ظاهرة{[55919]} .

قيل : وإن كانت المرأة لتخرج ومعها مغزلها ومكتلها على رأسها تروح من قرية إلى قرية وتغدو أو تبيت في قرية لا تحمل زادا ولا ماء فيما بينها وبين الشام{[55920]} .

وقال المبرد : الظاهرة : المرتفعة{[55921]} .

ثم قال : { وقدرنا فيها السير } أي : جعلنا بين قراهم والقرى التي باركنا فيها مسيرا مقدرا من منزل إلى منزل ، لا ينزلون إلا في قرية ولا يغدون إلا من قرية .

وقال الفراء : جعل الله لهم بين كل قريتين نصف يوم{[55922]} .

ثم قال : { سيروا فيها ليالي وأياما آمنين } أي : سيروا في هذه القرى التي قدرنا فيها المسير إلى القرى التي باركنا فيها وهي بيت المقدس آمنين لا تخافون ظلما ولا جوعا ولا عطشا .

قال قتادة : آمنين لا يخافون ظلما ولا جوعا ، إنما يغدون فيقيلون في قرية ويروحون ، فيأتون قرية أهل خير ونهر ، حتى لقد ذكر لنا : أن المرأة كانت تضع مكتلها على رأسها وتمتهن بيدها فيمتلئ مكتلها من الثمرة قبل أن ترجع إلى أهلها من غير أن تحترف بيدها شيئا ، وكان الرجل يسافر لا يحمل معه زادا ولا سقاء مما بسط الله للقوم{[55923]} .

فهذا الذي ذكر من قصة سبأ وغيرها ، إنما ذكره لنا ليبين لنا إحسان المحسن وثوابه ، وإساءة المسيء وعقوبته/ ، ليتجافى الناس من المعاصي ويرغبوا في الطاعة ويسارعوا إلى ما رغبهم فيه ، ويزدجروا عن ما نهاهم عنه ويخافوا أن يحل بهم ما حل بمن قص عليهم عقوبته ، ويبادروا إلى فعل من قص عليهم كرامة لهم ، فهي مواعظ وأمثال تكرر في القرآن ليتنبه لها الغافل ويجتهد المتنبه إحسانا من الله تعالى ونعمة علينا ، قال الله تعالى : { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل{[55924]} } وقال : { وضربنا لكم الأمثال }{[55925]} وهذا كثير مكرر للإفهام في القرآن .


[55911]:هكذا في الأصل: لعل الصواب: أن جعل
[55912]:انظر: جامع البيان 22/83 وتفسير ابن كثير 3/534 والدر المنثور 6/692 وتفسير مجاهد 554
[55913]:انظر: جامع البيان 22/84 وتفسير ابن كثير 3/534 والدر المنثور 6/692
[55914]:انظر: جامع البيان 22/84 والدر المنثور 6/692
[55915]:الزبيل والزنبيل: الجراب وقيل الوعاء، وقيل القفة: انظر: اللسان مادة زبل 11/301
[55916]:انظر: جامع البيان 22/84 والجامع للقرطبي 14/289
[55917]:انظر: جامع البيان 22/83
[55918]:المصدر السابق
[55919]:المصدر السابق
[55920]:هو قول ابن زيد أيضا في جامع البيان 22/84
[55921]:انظر: الجامع للقرطبي 14/289
[55922]:انظر: معاني الفراء 2/359 وإعراب النحاس 3/341
[55923]:انظر جامع البيان 22/85 والدر المنثور 6/693
[55924]:الروم: آية 57
[55925]:إبراهيم آية 47