نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

ولما نزهه سبحانه عن الولد ودل على ذلك بأنه مالك كل شيء وملكه ، وكان ذلك غير ملازم للألوهية ، دل على أنه مع ذلك هو الإله لا غيره في الكونين بدليل بديهي يشترك في علمه الناس كلهم ، وقدم السماء ليكون أصلاً في ذلك يتبع لأن الأرض تبع لها في غالب الأمور ، فقال دالاً على أن نسبة الوجود كله إليه على حد سواء لأنه منزه عن الاحتياج إلى مكان أو زمان عاطفاً على ما تقديره : تنزه عما نسبوه إليه الذي هو معنى { سبحان } : { وهو الذي } هو { في السماء إله } أي معبود لا يشرك به شيء { وفي الأرض إله } توجه الرغباب إليه في جميع الأحوال ، ويخلص له في جميع أوقات الأضطرار ، فقد وقع الإجماع من جميع من في السماء والأرض على إلهيته فثبت استحقاقه لهذه الرتبة وثبت اختصاصه باستحقاقها في الشدائد فباقي الأوقات كذلك من غير فرق لأنه لا مشارك له في مثل هذا الاستحقاق ، فعبادة غيره باطلة ، قال في القاموس : أله - أي بالفتح - إلاهة وألوهة وألوهية : عبد عبادة ، ومنه : لفظ الجلالة - وأصله : إله بمعنى معبود وكل ما اتخذ معبوداً فهو إله عند متخذه ، وأله كفرح : تحير ، فقد علم من هذا جواز تعلق الجار بإله .

ولما كان الإله لا يصلح للألوهية إلا إذا كان يضع الأشياء في محالها بحيث لا يتطرق إليه فساد ، ولا يضرها إفساد مفسد ، وكان لا يكون كذلك إلا بالغ العلم قال : { وهو الحكيم } أي البليغ الحكمة ، وهي العلم الذي لأجله وجب الحكم من قوام من أمر المحكوم عليه في عاجلته وآجلته ، ولما كانت الحكمة العلم بما لأجله وجب الحكم قال تعالى : { العليم } أي البالغ في علمه إلى حد لا يدخل في عقل العقلاء أكثر من وصفه به على طريق المبالغة ولو وسعوا أفكارهم وأطالوا أنظارهم لأنه ليس كمثله شيء في ذاته ولا صفة من صفاته ليقاس به ، وكل من ادعى فيه أنه شريك له لا يقدر من أشرك به أن يدعي له ما وصف به من الإجماع على ألوهيته ومن كمال علمه وحكمه ، فثبت قطعاً ببطلان الشركة بوجه يفهمه كل أحد ، فلا خلاص حينئذ إن خالف كائناً من كان ، وإذا قد صح أنه الإله وحده وأنه منزه عن شريك وولد وكل شائبة نقص كان بحيث لا يخاف وعيده ، فلا يخوض ولا يلعب عبيده ، ومن خاض منهم أو لعب فلا يلومن إلا نفسه ، فإن عمله محفوظ بعلمه فهو مجاز عليه بحكمته .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

قوله : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } أي أن الله الذي له الإلهية ، والمتفرد بالوحدانية لهو معبود في السماء ومعبود في الأرض ، فهو بذلك يعبد فيهما . ولا تتجلى هذه الصفة الكبرى لأحد سوى الله ، وهي دليل عظمته البالغة وأنه الصانع الحكيم الذي لا تنبغي العبادة ولا الإذعان إلا لجلاله العظيم . ومما يقتضيه مفهوم هذه الآية أن نوقن أن الله وحده الحاكم المشرع لأهل الأرض . لا جرم أن هذه واحدة من خصائص الإلهية العظمى ، فالله الذي خلق السماوت فأبدعهم إبداعا وأنشأ فيهن روعة البناء والخلق ، وبث فيهن مالا يحصى من الأجرام والكائنات فكان ذلك كله في غاية القوة والاتساق والانتظام والترابط ، لهو جدير به ألا يدع البشرية على الأرض مضطربة بغير نظام ولا تشريع . لقد وضع الله للبشرية تشريعها المناسب في الأرض ، لأنه سبحانه الأقدر على ذلك ، فهو العالم بالأحوال والحقائق والطبائع { وهو الحكيم العليم } الله الحكيم في تدبير شؤون خلقه ، العليم بما يصلحهم وينفعهم في دينهم ودنياهم .