اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

قوله ( تعالى ){[50122]} : { وَهُوَ الذي فِي السماء إله } «في السماء » متعلق ب «إله » لأنه بمعنى معبود في السماء معبود في الأرض ، وحينئذ فيقال : ( إنَّ ){[50123]} الصلة لا تكون إلا جملة ، أو ما{[50124]} في تقديرها وهو{[50125]} الظرف وعديله{[50126]} . ولا شيء منها هُنَا .

والجواب : أن المبتدأ حذف لدلالة المعنى عليه ، ولأن المحذوف هو العائد ، تقديره : وَهُوَ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ إلهُ ، وَهُوَ فِي الأَرْضِ إلَهُ ، وإنما حذف لطول الصلة بالمعمول ، فإن الجار متعلق «بإلَهٍ » ومثله : مَا أَنَا بالَّذِي قَائِلٌ لَكَ سُوءاً{[50127]} وقال أبو حيان : وحسنه طوله بالعطف عليه كما حسن في قولهم : «قَائِلٌ لَكَ شَيْئاً » طولُه بالمعمول{[50128]} .

قال شهاب الدين : حصوله في الآية ، وفيما حكاه سواء ، فإن الصلة طالت بالمعمول في كليهما والعطف أمر زائدٌ على ذلك ، فهو زيادة في تحسين الحذف{[50129]} . ولا يجوز أن يكون الجارُّ خبراً مقدماً و«إله » مبتدأ مؤخراً ، لئلا تَعْرَى الجملةُ من رابطٍ ؛ إذ يصير نظير «جَاءَ الَّذِي فِي الدَّارِ زَيْدٌ » فإن جعلت الجار صِلةً ، وفيه ضمير عائد على الموصول وجعلت «إله » بدلاً منه ، فقال أبو البقاء : «جاء على ضعفه ؛ لأن الغرض الكلي إثبات الإلهية ، لا كونه في السموات والأرض فكان يفسد أيضاً من وجه آخر ، وهو قوله : { وَفِي الأرض إله } ؛ لأنه معطوف على ما قبله ، وإذا لم يقدر ما ذكرنا صار منقطعاً عنه ، وكان المعنى أنه في الأرض إله » .

انتهى{[50130]} .

وقال أبو علي : نظرت فيما يرتفع به «إله » فوجدت ارتفاعه يصح بأن يكون خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير هُوَ الَّذِي في السماء هُو إله{[50131]} . وقال أبو حيان : ويجوز أن تكون الصلة الجار والمجرور ، والمعنى أنه فيهما بإلهيَّته ، ورُبُوبِيَّته ؛ إذ يستحيل حمله على الاستقرار{[50132]} ، وقرأ عُمَرُ ، وعَلِيٌّ ، وعبدُ الله في جماعةٍ وهو الذي في{[50133]} السماء اللهُ ضمَّن العلم أيضاً معنى المشتق فيتعلق به الجار ومثله : هُوَ حَاتِمٌ فِي طَيّىءٍ . أي الجواد فيهم . ومثله : فرعونُ العَذَابُ{[50134]} .

فصل

قال ابن الخطيب : وهذه الآية من أدل الدلائل على أنه تعالى غير مستقر في السماء لأنه تعالى بين في هذه الآية أن نسبته بإلهية السماء كنسبته إلى الأرض ، فلما كان إلهاً للأرض مع أنه غير مستقر فيها فكذلك وجب أن يكون إلهاً للسماء مع أنه لا يكون مستقراً فيها .

فإن قيل : أيُّ تعلق لهذا الكلام ينفي الولد عن الله عزّ وجلّ ؟

فالجواب : تَعَلُّقُه به أنه تعالى خلق عيسى عليه الصلاة والسلام بمحض كُنْ فَيَكُون من غير واسطة النطفة والأب{[50135]} فكأنه قيل : إن كان هذا القدر{[50136]} لا يوجب كون عيسى ولداً للهِ عزّ وجلّ ؛ لأن هذا المعنى حاصل في تخليق السموات والأرض مع انتفاء حصول الولد به هناك . ثم قال : { وَهُوَ الحكيم العليم } الحكيم في تدبير خلقه العليم بِمَصَالِحِهِمْ . وقد تقدم في سورة الأنعام أن كونه حكيماً عليماً ينافي حصول الولد له .


[50122]:زيادة من ب.
[50123]:لفظ "إن" أيضا زيادة من نسخة ب.
[50124]:في ب وما في.
[50125]:وفيها: وهي.
[50126]:مساويه وهو الجار والمجرور.
[50127]:أخذ المؤلف هذا الكلام عن الدر المصون 4/804، 805، الذي أخذه هو الآخر عن الكشاف للزمخشري 3/498 مجملا، فقد قال: "والراجع إلى الموصول محذوف لطول الكلام كقولهم ما أنا بالذي قائل شيئا، وزاده طولا أن المعطوف داخل في حيز الصلة".
[50128]:البحر المحيط 8/29.
[50129]:الدر المصون 4/805.
[50130]:التبيان لأبي البقاء العكبري 1142 وانظر الدر المصون السابق والكشاف 3/398، والبحر المحيط 8/29.
[50131]:تفسير الرازي 27/232 والقرطبي 16/121.
[50132]:البحر المحيط 8/29.
[50133]:ذكرها الزمخشري في الكشاف 3/497 و498 ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/421 ومختصر ابن خالويه 136 وهي شاذة غير متواترة.
[50134]:نقله الزمخشري بتصرف فقال: "ضمن اسمه تعالى معنى وصف فلذلك غلف به الظرف في قوله: في السماء وفي الأرض، كما تقول حاتم في طيئ، حاتم في تغلب". الكشاف 3/497.
[50135]:في النسختين والآن والتصويب من الرازي.
[50136]:كذا في الرازي وفي ب القيد.