تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

الآية 84 وقوله تعالى : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } الإله في اللغة ، هو المعبود ؛ كأنه يقول ، والله أعلم : إنكم تعلمون أن الله تعالى ، هو المعبود في السماء ، وهو المعبود في الأرض ، والأصنام التي تعبدونها أنتم لا يعبدها إلا أنتم ، فكيف تركتم عبادة المعبود الذي هو معبود في السماء والأرض ، واخترتم عبادة من ليس بمعبود إلا بعبادتكم ؟

ويحتمل أن يقول : تعلمون أنتم أن الله سبحانه وتعالى هو إله في السماء والأرض ، وإله [ من ]{[19052]} فيهما وما فيهما ، وأنه خالق ذلك كلّه لقوله : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } [ لقمان : 25 و . . . ] والأصنام التي تعبدونها لم يفعلوا ذلك ، ولا يملكون شيئا من ذلك ، فكيف اتخذتموها آلهة دونه ؟ والله أعلم .

وقوله تعالى : { وهو الحكيم العليم } ذكر الحكيم والعليم على إثر ذلك يخرّج على وجوه :

أحدها : لسؤال الثنوية أن الله عز وجل لا يجوز أن يبسُط ، ويوسّع الدنيا على من يعلم أنه يعاديه ، ويشتُمه ، ويعادي أولياءه ، ويشتُمهم ، لأن في الشاهد من يصنع إلى من يعلم أنه يعاديه معروفا ، فليس بحكيم .

فعلى ذلك يقولون : إن ذلك ليس من الله تعالى ، ولكن من إله غيره سفيه ، لأن وصف نفسه بالحكمة ، وأنه يريد الحكمة .

[ والثاني : قول ]{[19053]} البراهمة في إنكارهم الرسالة أصلا ؛ يقولون : ليس من الحكمة بعث الرسل إلى من يعلم أنه يُكذّبه ، ويُكذّب رسُله ، ولا يقبل شهادته ، بل يقتله ، ويعاديه . لذلك ينكرون رسالة الرسل ، فأخبر تعالى بقوله : { وهو الحكيم العليم } أنّ إعطائي إياهم ما أعطيتهم وبعثي الرسل إليهم على علم مني بما يكون منهم من التكذيب والعداوة ، لا يُخرجني عن الحكمة ، ويُخرج فاعل ذلك في الشاهد عن الحكمة ، لأن ملوك الأرض إنما يرسلون الرسل ، ويبعثون الهدايا لمنافع أنفسهم ولحاجتهم . فإذا علموا من المبعوث إليهم الرسل والمصنوع إليهم المعروف ما ذكرنا خرج [ ذلك ]{[19054]} عن الحكمة .

فأما الله تعالى إنما بعث الرسل لحاجة المبعوث إليهم ولمنافع أنفسهم ، فكذلك ما يعطيهم من الدنيا لمنافع أنفسهم ، فلم يخرُج ذلك عن الحكمة ، لأنه لا يضرّه معاداة من عاداه ، ولا تنفعُه موالاة من والاه . بل كل ذلك راجع إليهم بل صُنع ما يصنع من المعروف إلى من يعلم أنه يعاديه يكون وصفا له بغاية الكرم والجود .

لذلك [ كان ] ما ذكرنا ، وبطل قول الثنوية والبراهمة ، والله الموفّق .


[19052]:من م، ساقطة من الأصل.
[19053]:في الأصل وم: وكقول.
[19054]:ساقطة من الأصل وم.