الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

قوله : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمآءِ إِلَهٌ } : " في السماء " متعلِّقٌ ب " إله " لأنه بمعنى معبودٌ أي : معبودٌ في السماء ومعبودٌ في الأرض ، وحينئذٍ فيقال : الصلة لا تكونُ إلاَّ جملةً أو ما في تقديرِها وهو الظرفُ وعديلُه ، ولا شيءَ منها هنا . والجوابُ : أنَّ المبتدأَ حُذِفَ لدلالة المعنى عليه ، وذلك المحذوفُ هو العائدُ تقديرُه : وهو الذي في السماءِ إلهٌ ، وهو في الأرض إلهٌ ، وإنما/ حُذِف لطولِ الصلةِ بالمعمولِ فإنَّ الجارَّ متعلِّقٌ ب إله . ومثلُه " ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءاً " .

وقال الشيخ : " وحَسَّنه طولُه بالعطفِ عليه ، كما حَسَّنَ في قولِهم : قائل [ لك ] شيئاً طولُه بالمعمولِ " . قلت : حصولُه في الآيةِ وفيما حكاه سواءٌ ؛ فإن الصلةَ طالَتْ بالمعمولِ في كلَيْهما ، والعطفُ أمرٌ زائدٌ على ذلك فهو زيادةٌ في تحسين الحَذْفِ . ولا يجوزُ أَنْ يكونَ الجارُّ خبراً مقدماً ، و " إله " مبتدأٌ مؤخرٌ لئلا تَعْرَى الجملةُ مِنْ رابطٍ ، إذ يصيرُ نظيرَ " جاء الذي في الدار زيد " . فإن جَعَلْتَ الجارَّ صلةً وفيه ضميرٌ عائدٌ على الموصولِ وجَعَلْتَ " إله " بدلاً منه . قال أبو البقاء : " جاز على ضَعْفٍ ؛ لأن الغَرَض الكليَّ إثباتُ الإِلهيةِ لا كونُه في السماء والأرض ، فكان يَفْسُدُ أيضاً من وجهٍ آخرَ وهو قولُه : { وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ } لأنه معطوفٌ على ما قبلَه ، وإذا لم تُقَدِّرْ ما ذكرْنا صار منقطعاً عنه وكان المعنى : أنَّ في الأرض إلهاً " انتهى . وقال الشيخ : " ويجوزُ أَنْ تكونَ الصلةُ الجارَّ والمجرورَ ، والمعنى : أنه فيهما بألوهِيَّتِه وربُوبِيَّتِه ، إذ يَستحيل حَمْلُه على الاستقرار " .

وقرأ عمرُ وعلي وعبد الله في جماعة { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمآءِ اللَّه } ضُمِّن العَلَمُ أيضاً معنى المشتقِّ ، فيتعلَّقُ به الجارُّ . ومثله " هو حاتمٌ في طَيِّئ " أي : الجوادُ فيهم . ومثلُه : فرعون العذاب .