روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

{ وَهُوَ الذى فِى السماء إله وَفِى الارض إله } الظرفان متعلقان بإله لأنه صفة بمعنى معبود من أله بمعنى عبد وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو إله وذلك عائد الموصول وحذف لطول الصلة بمتعلق الخبر والعطف عليه .

وقال غير واحد : الجار متعلق بإله باعتبار ما ينبىء عنه من معنى المعبودية بالحق بناء على اختصاصه بالمعبود بالحق وهذا كتعلق الجار بالعلم المشتهر بصفة نحو قولك : هو حاتم في طيء حاتم في تغلب ، وعلى هذا تخرج قراءة عمر . وعلي . وعبد الله . وأبي . والحكم بن أبي العالي . وبلال بن أبي بردة . وابن يعمر . وجابر . وابن زيد . وعمر بن عبد العزيز . وأبو شيخ الهنائي . وحميد . وابن مقسم . وابن السميقع { وَهُوَ الذى فِى السماء * الله وَفِيكُمْ * الارض * الله } فيعلق الجار بالاسم الجليل باعتبار الوصف المشتهر به ، واعتبر بعضهم معنى الاستحقاق للعبادة وعلل ذلك بأن العبادة بالفعل لا تلزم ، وجوز كون الجار والمجرور صلة الموصول ، و { إِلَهٍ } خبر مبتدأ محذوف أيضاً على أن الجملة بيان للصلة وأن كونه سبحانه في السماء على سبيل الإلهية لا على معنى الاستقرار .

واختيار كون { إِلَهٍ } في هذا الوجه خبر مبتدأ محذوف على كونه خبراً آخر للمبتدأ المذكور أو بدلاً من الموصول أو من ضميره بناء على تجويزه لأن إبدال النكرة الغير الموصوفة من المعرفة إذا أفادت ما لم يستفد أولاً كما هنا جائز حسن على ما قال أبو علي في الحجة لأن البيان ههنا أتم وأهم فلذا رجح مع ما فيه من التقدير وحينئذ فلا فاصل أجنبي بين المتعاطفين ، ولا يجوز كون اجلار والمجرور خبر مقدماً وإله مبتدى مؤخراً للزوم خلو الجملة عن العائد مع فساد المعنى ، وفي الآية نفي الآلهة السماوية والأرضية واختصاص الإلهية به عز جل لما فيها من تعريف طرفي الإسناد ، والموصول في مثل ذلك كالمعرف بالأداة وللاعتتاء بكل من إلهيته تعالى في السماء وإلهيته عز وجل في الأرض قيل دوهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } ولم يقل : وهو الذي في السماء وفي الأرض إله أو هو الذي في السماء والأرض إله ، وحديث الإعادة قيل مما لا يجري ههنا لأن القاعدة أغلبية كأكثر قواعد العربية .

وقال بعض الأفاضل : يجوز إجراء القاعدة فيه والمغايرة بين الشيئين أعم من أن تكون بالذات أو بالوصف والاعتبار والمراد هنا الثاني ولا شك أن طريق عبادة أهل السماء له تعالى غير طريق عبادة أهل الأرض على ما يشهد به تتبع الآثار فإذا كان إله بمعنى معبود كان معنى الآية أنه تعالى معبود في السماء على وجه ومعبود في الأرض على وجه آخر ، وإن كان بمعنى التحير فيه فالتحير في أهل السماء غير التحير في أهل الأرض فلا جرم تكون أطوارهم مخالفة لأطوار أهل الأرض ، ومن ذلك اختلاف علومهم فإن علوم أهل الأرض إن كانت ضرورية فأكثرها مستندة إلى الحس وإن كانت نظرية كانت مكتسبة من النظر فإذا انسد طريق النظر والحس عجزوا وتحيروا ولا كذلك أهل السماء لتنزههم عن الكسب والحسن فتحيرهم على نحو آخر ، أو نقول التحير في إدراك ذاته تعالى وصفاته إنما ينشأ من مشاهدة آثار عظمته وكمال قدرته سبحانه ولا شك أن تلك الآثار في السماء أعظم من الآثار في الأرض وعليه فيجوز أن يكون الإله بمعنى المتحير فيه ويكون مجازاً عن عظيم الشأن من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم فيكون المعنى أنه تعالى عظيم الشأن في السماء على نحو وعظيم الشأن في الأرض على نحو آخر اه ، ولا يخلو عن شيء كما لا يخفى { وَهُوَ الحكيم العليم } كالدليل على النفي والاختصاص المشار إليهما فإن من لا يتصف بكمال الحكمة والعلم لا يستحق الإلهية .