نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ} (16)

{ وأما } هو { إذا } وأكد على نمط الأول فقال : { ما ابتلاه } أي ربه ليظهر صبره أو جزعه .

ولما كان قوله في الأول " فأكرمه ونعمه " كناية عن " فوسع عليه " قابله هنا بقوله : { فقدر } أي ضيق تضييق من يعمل الأمر بحساب وتقدير { عليه رزقه } فهو كناية عن الضيق كما أن العطاء بغير حساب كناية عن السعة ، فجعله بمقدار ضرورته الذي لا يعيش عادة بدونه ، ولم يجعله فيه فضلاً عن ذلك ولم يقل " فأهانه " موضع " قدر عليه " تعليماً للأدب معه سبحانه وتعالى وصوناً لأهل الله عن هذه العبارة لأن أكثرهم مضيق عليه في دنياه ، ولأن ترك الإكرام لا ينحصر في كونه إهانة { فيقول } أي الإنسان بسبب الضيق : { ربي } أي المربي لي { أهانن * } فيهتم لذلك ويضيق به ذرعاً ، ويكون ذلك أكبر همه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ} (16)

قوله : { وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه } إذا امتحن الله هذا الإنسان الفاسق الضال فضيّق علي رزقه ولم يعطه من الرزق أكثر مما فيه بلغة { فيقول ربي أهانن } ينقلب متبرّما ساخطا من قدر الله وقد أعماه الجهل والحماقة وغرق في لجاجة اليأس والعمه قائلا { ربي أهانن } أي أذاقني الهوان وأذلني بالفقر فلم يحتمل ولم يصطبر . وكان أحرى به أن يذعن لله بالشكر على ما وهبه من نعم العقل والقلب والإرادة والبصر وسائر الجوارح .

ذلك هو ديدن الفاسقين والكافرين من الناس . ويشبههم في هذه الذميمة كثير من ضعفة المسلمين الذين هان الإيمان في قلوبهم وفترت فيهم العزائم والهمم ، فهم يظنون أن ما أعطوه من خير ونعمة إنما هو بما لهم من كرامة وفضيلة عند الله والصواب أن الكرامة عند الله بطاعته وتوفيقه والاستمساك بدينه والفوز بجنته ورضاه . أما الدنيا فإن الله يعطيها من عباده من يحبه ومن لا يحبه ، لكنه لا يعطي الدين والهداية والتقوى إلا من أحبه .