نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} (10)

{ وقد خاب } أي حرم مراده مما أعد لغيره في الدار الآخرة وخسر وكان سعيه باطلاً { من دساها * } أي أغواها إغواء عظيماً وأفسدها ودنس محياها وقذرها وحقرها وأهلكها بخبائث الاعتقاد ومساوىء الأعمال ، وقبائح النيات والأحوال ، وأخفاها بالجهالة والفسوق ، والجلافة والعقوق ، وأصل " دسى " دسس ، فالتزكية أن يحرص الإنسان على شمسه أن لا تكسف ، وقمره أن لا يخسف ، ونهاره أن لا يتكدر ، وليله ألا يطفى ، والتدسيس أقله إهمال الأمر حتى تكسف شمسه ، ويخسف قمره ، ويتكدر نهاره ، ويدوم ليله ، وطرق ذلك اعتبار نظائر المذكورات من الروحانيات وإعطاء كل ذي حق حقه ، فنظير الشمس هي النبوة لأنها كلها ضياء باهر وصفاء قاهر ، وضحاها الرسالة وقمرها الولاية ، والنهار هو العرفان ، والليل عدم طمأنينة النفس بذكر الله وما جاء من عنده ، وإعراضها عن الانقياد لقبول ما جاء من النبوة أو الولاية ، والعلماء العاملون هم أولياء الله ، قال الإمامان أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما : إن لم تكن العلماء أولياء الله فليس لله ولي - رواه عنهما الحافظ أبو بكر الخطيب ، وهو مذكور في التبيان وغيره من مصنفات النووي ، ونظير السماء العزة والترفع عن الشهوات وعن خطوات الشياطين من الإنس والجن ، والأرض نظيرها التواضع لحق الله ولرسوله وللمؤمنين فيكون بإخراجه المنافع لهم كالأرض المخرجة لنباتها ، والتدسية خلاف ذلك ، من عمل بالسوء فقد هضم نفسه وحقرها فأخفاها كما أن اللئام ينزلون بطون الأودية ومقاطعها بحيث تخفى أماكنهم على الطارقين ، والأجواد ينزلون الروابي ، ويوقدون النيران للطارقين ، ويشهرون أماكنهم للمضيفين منازل الأشراف في الأطراف كما قيل :

قوم على المحتاج سهل وصلهم *** ومقامهم وعر على الفرسان

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} (10)

قوله : { وقد خاب من دسّاها } دسّى ، بالألف المقصورة ، يدسّي . وأصلها : دسس يدسس . من الدس وهو الإخفاء ودفن الشيء تحت الشيء . يعني دسّ نفسه مع الصالحين وليس منهم . أو خابت نفس دساها الله . واندسّ بمعنى اندفن{[4822]} .

والمعنى : وقد خسر من دسى نفسه أو دسسها أي أغواها وأخفاها بالفسوق والفجور والمعاصي . وقيل : الضمير عائد إلى الله . فالله جل جلاله طهر النفس وجعلها زكية بالإيمان وصالح الأعمال . وهو سبحانه دساها أي أغواها{[4823]} .


[4822]:القاموس المحيط ص 702.
[4823]:تفسير النسفي جـ 4 ص 361 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 517.