نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ} (43)

ولما كان الحال حال دهش واختلال . كان السامع جديراً بأن لا يصبر بل يبادر إلى السؤال فيقول : فما قال ؟ فقيل : { قال } قول من ليس له عقل تبعاً لمراد الله { سآوي إلى جبل يعصمني } أي بعلوه { من الماء } أي فلا أغرق { قال } أي نوح عليه السلام { لا عاصم } أي لا{[39281]} مانع من جبل ولا غير موجود{[39282]} { اليوم } أي لأحد { من أمر الله } أي الملك الأعظم المحيط أمره وقدرته وعلمه ، وهو حكمه بالغرق على كل ذي روح لا يعيش في الماء{[39283]} { إلا من{[39284]} رحم } أي إلا مكان من رحمة{[39285]} الله فإنه مانع من ذلك وهو السفينة ، أو لكن من رحمه الله فإن الله يعصمه .

ولما ركب نوح ومن أمره الله به وأراده . ولم تبق حاجة في تدرج ارتفاع الماء ، فعلاً{[39286]} وطماً وغلب وعتاً فهال الأمر وزاد على الحد والقدر ، قال تعالى عاطفاً على ما تقديره : فلم يسمع ابنه ذلك منه بل عصى أباه كما عصى الله فأوى إلى الجبل الذي أراده فعلاً الماء عليه ولم يمكنه بعد ذلك اللحاق بأبيه ولا الوصول

إليه{[39287]} : { وحال بينهما } أي بين الابن والجبل أو بينه وبين أبيه { الموج } المذكور في قوله { في{[39288]} موج كالجبال } { فكان } أي الابن{[39289]} بأهون أمر { من المغرقين* } وهم كل من لم يركب مع نوح عليه السلام من جميع أهل الأرض{[39290]} ؛ قال أبو حيان{[39291]} : قيل كانا يتراجعان الكلام فما استتمت المراجعة حتى جاءت موجة عظيمة وكان راكباً على فرس قد بطر وأعجب بنفسه فالتقمته{[39292]} وفرسه وحيل بينه وبين نوح عليه السلام فغرق - انتهى . والركوب : العلو على ظهر الشيء ، ركب الدابة والسفينة والبر والبحر ؛ والجري : مر سريع ؛ يقال : هذه العلة تجري في أحكامها ، أي تمر من غير مانع ، والموج جمع موجة قطعة عظيمة من الماء الكثير ترتفع{[39293]} عن حملته ، وأعظم ما يكون ذلك إذا اشتدت الريح ؛ والجبل : جسم عظيم الغلظ شاخص من الأرض هو لها كالوتد ؛ والعصمة : المنع من الآفة


[39281]:سقط من ظ.
[39282]:في ظ: موجودا.
[39283]:زيد من ظ.
[39284]:سقط من ظ.
[39285]:من ظ، وفي الأصل: رحم.
[39286]:من ظ، وفي الأصل: على.
[39287]:زيد من ظ.
[39288]:سقط من ظ.
[39289]:زيد من ظ.
[39290]:زيد من ظ.
[39291]:راجع البحر المحيط 5/227.
[39292]:في ظ: التقمه.
[39293]:من ظ، وفي الأصل: يرتفع.